رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

✍ د. الشاذلي عبداللطيف : فلسفة الأمن ؛ جدلية العدل والهيبة في تجربة الفريق أول شرطة حقوقي خالد حسان محي الدين

في التجارب الأمنية الراسخة، تبرز لحظات فارقة لا يُعاد فيها إنتاج النظام فحسب، بل يُعاد فيها تعريفه. وحين تقف الدولة على حافة التحولات الجذرية، لا يكون المطلوب مجرد إداريين يجيدون تنفيذ اللوائح، بل قيادات تملك رؤية متماسكة تُعيد ضبط العلاقة بين المواطن والدولة، بين السلطة والمسؤولية، بين هيبة المؤسسة وروح العدالة.

الفريق أول شرطة حقوقي خالد حسان محي الدين الماحي يُجسد هذا النموذج المركب. هو ليس رجل أمن تقليدي، بل مفكّر مؤسسي مارس السلطة بوعي حقوقي، وفهم عميق لفلسفة الأمن كأداة لصون العقد الاجتماعي، لا لتكريسه بالعنف الرمزي أو القسري. جمع بين صرامة الانضباط المهني، ونعومة الحس القانوني، فصاغ منهجًا عمليًا يُمكن وصفه بأنه "أمنٌ نابع من الداخل، لا مفروض من الخارج".

أدرك الفريق أول خالد، منذ وقت مبكر، أن الأمن المستدام لا يُبنى على الاستجابة اللحظية للأزمات، بل على تأصيل بنية أخلاقية داخل جهاز الشرطة، تجعل من احترام الكرامة الإنسانية جزءًا من السلوك المهني، لا استثناءً ظرفيًا. ومن موقعه كحقوقي، أعاد طرح السؤال المركزي: ما الذي يجعل المواطن يشعر بالأمان؟ أهو الخوف من الردع، أم الثقة في عدالة الإجراء؟ وكانت إجابته حاسمة: لا أمن بلا عدالة، ولا عدالة بلا ضميرٍ يراقب قبل أن يُحاسِب.

وعندما دارت رحى الحرب، لم يكن الفريق خالد حسان قائدًا يوجّه من الخلف، بل اختار موقعه حيث يجب أن يكون القائد الحقيقي: في الخطوط الأمامية. لكن الأهم من حضوره كان حضور رجاله، أولئك الذين آمنوا بأن الشرف لا يُصان بالرتب وحدها، بل بالتضحية الصامتة.

الضباط، وصف الضباط، والجنود الذين شاركوا في معركة الكرامة لم يكونوا أدوات تنفيذ، بل كانوا شركاء في الرؤية والمهمة. قدموا الغالي والنفيس عن وعي، لا عن اندفاع، عن انتماءٍ راسخ لا عن أوامر لحظية. فكان بينهم من ارتقى شهيدًا، فاحتضن تراب الوطن بدمه ليكتب معنى جديدًا للواجب. وكان منهم من وقع في الأسر، ولم يتنازل عن كرامته رغم قسوة القيد. وكان منهم من جُرح في جسده، لكنه لم يتراجع عن خط الدفاع، بل بقي واقفًا بما تبقى من طاقته وولائه.

هذه التضحيات لم تكن مجرد وقائع عسكرية، بل تجسيد عملي لمفهوم المؤسسة الحية، التي لا تستمد قوتها من التعليمات، بل من روح الفداء والولاء التي تزرعها القيادة الراشدة في قلوب منسوبيها. وقد أحسن الفريق أول خالد حسان توجيه هذه الروح لا بالقمع، بل بالقدوة، لا بالشعارات، بل بالمواقف.

لقد اختبر رجاله معنى التضحية الفعلية، حين أصبحت المكاتب بلا سقف، والمقار بلا أسوار، والقرارات تُتخذ تحت وابل النار، لا تحت ظلال الراحة. ومع ذلك، لم تختلّ المؤسسة، ولم تتفسخ روحها، لأن ما يجمعهم لم يكن فقط قانون الخدمة، بل عقيدة مهنية تُعلي من شأن الوطن فوق كل شيء.

وها هم، بعد المعركة، يسيرون مع قائدهم في معركة أخرى لا تقلّ خطورة: معركة إعادة البناء الأخلاقي والمؤسسي. ذلك أن ما يتكسر في الحروب لا يُصلح بالإسمنت، بل بإحياء روح التضامن والانضباط والانتماء داخل المؤسسة.

وحين كُتبت فصول النصر على مليشيا دقلو، وتم تطهير ولاية الخرطوم من الفوضى المسلحة، لم يُغْرِ الفريق خالد حسان مشهد الانتصار باستعراض القوة أو استدعاء خطاب الغلبة. بل خرج إلى الإعلام بمهنية وهدوء، ليُعلن أن المرحلة القادمة هي مرحلة الإعمار. كانت تلك العبارة القصيرة كاشفة لرؤيته العميقة: فالرجل لا يرى الأمن هدفًا نهائيًا، بل أداةً لحماية مشروع وطني أكبر، عنوانه إعادة الحياة والمؤسسات والمجتمع إلى عافيته.

ذلك التصريح لم يكن رد فعلٍ سياسيًا، بل تعبيرًا مؤسسيًا عن قائدٍ يعرف متى تنتهي لغة البندقية، ومتى تبدأ لغة البناء. لقد أدرك، كما يدرك القادة الراسخون، أن النصر الحقيقي لا يُقاس باستعادة الأرض فقط، بل بإعادة الثقة، وحقن الأمل، واستدعاء روح العمل بعد الألم.

إن المرحلة المقبلة، بما تحمله من تحديات أمنية ومجتمعية، تستدعي ذات العقلية التي انتصرت في الميدان: عقلية تُراهن على الضمير لا على الزجر، وعلى الكفاءة لا على الولاء، وعلى عدالة التطبيق لا صرامة الشكليات. والفريق خالد حسان، ومعه أولئك الرجال الأوفياء، قدّموا للوطن نموذجًا يُحتذى، لا في القيادة فقط، بل في كيف تُبنى المؤسسات حين تتكئ على المعنى لا الشكل، وعلى القيم لا القشور.

وختامًا، إذا كانت الأمم تُقاس بقدرتها على إنتاج القادة لا المستبدين، وعلى ترسيخ العدالة لا فقط النظام، فإن نموذج الفريق شرطة حقوقي خالد حسان محي الدين الماحي جدير بأن يُدرّس في كليات الشرطة، لا لأنه مثالي، بل لأنه واقعيٌ بضميرٍ حي