✍ أحلام محمد الفكي : لعنة النزوح ؛ عالمنا في مهب الريح

لعنة الحروب والكوارث تلاحق عالمنا بلا هوادة، تلقي بظلالها القاتمة على أرواح بريئة، وتشعل نار النزوح والتشرد في كل زاوية. بالأمس وحتى اليوم فى بعض المناطق فى بلدنا الحبيب السودان يغرق في لجة الاضطراب، واليوم تطل علينا دول أخرى بوجه شاحب، تشهد موجة نزوح لم يسبق لها مثيل، تنذر بتصاعد خطير للأوضاع في العالم أجمع.
بقلوب يملؤها الخوف، وعيون شاخصة نحو المجهول، يفر الآلاف من السكان، تاركين خلفهم منازلهم وأحلامهم، باحثين عن بصيص أمل في أماكن أكثر أمانًا. إنها ليست مجرد أرقام تُحصى في سجلات الأمم المتحدة، بل هي قصص إنسانية مؤلمة، تُروى على ألسنة أطفال ونساء ورجال، دفعوا ثمنًا باهظًا لحروب لم يختاروها وكوارث لم يجنوا أسبابها. كل وجه يحمل قصة فقدان، كل خطوة تخفي ألم فراق، وكل نظرة تتوق إلى وطن سُلِب منهم قسرًا.
تتفاقم الأزمات مع تصاعد التهديدات العسكرية التي تلقي بظلالها الثقيلة على سماء المنطقة، وتُغذّي مخاوف السكان من تدهور وشيك في الأوضاع الأمنية. ومع الانقطاع المتقطع لخدمات الاتصالات والإنترنت، يزداد شعور العزلة لدى الفارين، وتتصاعد معاناتهم في ظل انعدام اليقين. يصبح الهاتف شاشة سوداء تعكس اليأس، وكل محاولة للتواصل تبوء بالفشل، لتزيد من مرارة العزلة في عالم أصبح فيه الاتصال شريان الحياة.
يُحذّر المراقبون من أن هذه الموجة من النزوح ليست سوى البداية. فإذا استمرت التصريحات العدائية بين الأطراف الإقليمية والدولية، فإن وتيرة النزوح ستزداد حدة، وقد لا تقتصر تبعات هذا التصعيد على الدول التي تشهد حروبًا وتمردًا وحدها، بل قد تمتد لتشمل دولًا أخرى، فتُصبح المنطقة بأسرها مرتعًا للهجرة القسرية والتشرد. إنها معادلة بسيطة ومروعة: كلما اشتعلت شرارة الصراع، كلما امتدت ألسنة اللهب لتحرق المزيد من الأوطان والأحلام.
إنها حقًا أعوام النزوح التي لم تعد الدول تُحصي لها حسابًا، ويظل المواطن العادي، المغلوب على أمره، هو الضحية الأكبر لهذه الحروب التي تزداد حدتها كل يوم. متى تتوقف هذه الدائرة المفرغة من العنف والكوارث؟ ومتى ينعم الإنسان بالأمن والاستقرار الذي يستحقه؟ الإجابة تظل معلقة في سماء عالمنا، تنتظر صحوة ضمير إنساني وقرارًا شجاعًا يضع حدًا لهذه المأساة المستمرة.