✍ د. ماجد السر عثمان : مراسي الخرطوم تشرق من تحت الرماد (3) المعرفة في مرمى البنادق والجشع

إن كانت للمليشيا الغاشمة ثلاثة أهداف رئيسية في تدميرها للسودان، فإن التعليم كان أحدها.
ومنذ اللحظة الأولى، اتّضح جلياً جهل هذه المجموعات الغادرة، وعدم تلقيها لأي نوع من أنواع المعارف والعلوم. فهم يجهلون تاريخ السودان العريق في المعرفة، الممتد لمئات السنين قبل أن يُعرف التعليم النظامي.
ولذا، وجّهوا معاولهم القذرة لتدمير كل ما يمتّ للعلم بصلة: حطموا الجامعات، والمدارس، ورياض الأطفال، وعبثوا حتى بلعب الصغار.
أحرقوا البحوث، والمناهج، والمكتبات، والأثاث، وكأن الحقد على الأحبار والورق والأقلام قد استوطن قلوبهم.
لم تسلم منهم مؤسسة تعليمية، لا في التعليم العام ولا العالي.
وكان فعلهم هذا متوقعاً، فهم عاطلون عن المعرفة، لا صنعة لديهم، ولا فن، ولا حسّ.
لم نسمع بينهم نحاتاً، ولا رساماً، ولا عازف بيانو... كل مهاراتهم تنحصر في الذبح والسلخ!
فرت الأسر السودانية إلى المنافي والفيافي، وكان هدفها الثاني بعد الأمان، تأمين مقعد دراسي لأبنائها، ولحاق ما فاتهم من سنين العمر.
عاشوا الكفاف من أجل التعليم، وكتبوا ملحمة صبرٍ في المنافي والملاجئ، فقط ليواصل الأبناء درب العلم.
ومع تحرير الخرطوم، امتزجت الفرحة الكبرى بأمل عودة المؤسسات التعليمية.
وقد كانت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم عند حُسن الظن، فأصدرت قرارات شجاعة:
فتحت المدارس، أعادت المعلمين، وأقامت الامتحانات للدُفع المؤجلة.
كانت تلك معركة كرامة، ميدانها المعرفة.
أتمنى على الوزارة أن تُقيم ورشة كبرى، تُناقش فيها مستقبل التعليم ما بعد الحرب: المناهج، والوسائل، والآليات، ومآلات هذا القطاع الحيوي.
لكن، وفي خضم هذا الأمل، جاء ما يندى له الجبين خجلاً وحياءً...
هل يُعقل أن تفرض مدرسة خاصة في سوبا غرب رسوماً على الطالب الواحد قدرها مليون جنيه (أي مليار بالجنيه القديم)؟!
أي جشعٍ هذا، وأي استغلال؟!
الناس في غفلة، فإذا ماتوا انتبهوا.
لكن أمثال هؤلاء خُتم على قلوبهم، والعياذ بالله.
... ونواصل إن شاء الله.