✍ عمار العركي : إريتريا في القلب

* لا شك أن ما كُتب وقيل عن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي وخطابه الأخير هو عين الحقيقة، بل إنه يستحق أن يُقال عنه أكثر من ذلك. فقد أثبت، على مدى العقود، أنه يمتلك رؤية متقدمة واستقلالية نادرة في اتخاذ القرار، وسط محيط إقليمي بالغ التعقيد، ومحفوف بالإغراءات والمساومات والضغوط.
* لقد ظل الرئيس أسياس متمسكًا بمواقفه المبدئية، لا سيّما فيما يتعلق بالشأن السوداني، حيث وقف بثبات مع وحدة السودان وسيادته واستقلال قراره، في وقت انهارت فيه مواقف كثير من الفاعلين الإقليميين والدوليين تحت وطأة المصالح والصفقات.
* والمؤلم، في المقابل، أن السودان تلكّأ — ولا يزال — في التوجه نحوه وتقدير مواقفه النادرة والداعمة. ومع ذلك، بقي أسياس وفيًا على عهده، صلبًا في مواقفه، منتظرًا أن يدرك السودانيون أن من يقف معهم في الشدائد هو الأجدر بالتقارب، لا من يتاجر بقضيتهم ويزيد من مأساتهم.
* ولعل التحرك الشعبي السوداني نحو تنظيم مهرجان الشكر والتقدير في أسمرا الشهر القادم، تحت شعار "إريتريا في القلب"، يأتي أخيرًا كتعبير وجداني صادق وردّ جميل متأخر، لكنه مستحق، لرجلٍ ودولة لم يتزحزحا عن الموقف المبدئي في أحلك الظروف.
* نعم، لأسياس تُرفع القبعات، لا لأنه قال ما لم يُقل، بل لأنه فعل ما لم يفعله غيره، وظل على العهد، لا تحركه الأطماع، ولا تشتريه مليارات المؤامرات أو محاولات الابتزاز السياسي. ومن الحكمة أن يبادر السودان، قبل فوات الأوان، إلى إعادة صياغة علاقته مع أسمرا بمنظور استراتيجي جديد، يعيد الاعتبار للتحالفات الصادقة والثابتة، لا تلك المتقلبة والمأجورة.