رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

✍ عمار العركي : قرارات تعيين جديدة ... وتجدد أزمة وزارة الخارجية

أصدر رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، البروفيسور كامل إدريس، قراره رقم (100) لسنة 2025، بتعيين خمسة وزراء وثلاثة وزراء دولة في "حكومة الأمل"، في خطوة حملت في ظاهرها رسائل إيجابية تتعلق باستكمال بناء الجهاز التنفيذي، لكنها ـ في أحد أوجهها ـ عمّقت أزمة صامتة تتفاقم في وزارة الخارجية، وتطرح أسئلة حقيقية عن المعايير التي تحكم الاختيار، وموقع المصالح الوطنية من تلك الحسابات.

* في جانبها الإيجابي، عكست التعيينات الأخيرة حرصاً على الدفع بكفاءات في مجالات نوعية، كملف التحول الرقمي، والطاقة، والتعليم، والشباب، وهو توجه لا يُستهان به في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد. كما أن الاعتماد على أسماء ذات خلفيات مهنية واختصاصات دقيقة، يمنح التشكيلة مسحة تكنوقراطية تعزز جانب الأداء التنفيذي، وهو ما يُحسب لرئيس الوزراء، ويُفهم ضمن محاولاته إنعاش صورة الحكومة في الداخل والخارج.

* غير أن الوجه الآخر للقرار جاء صادماً في ما يخص وزارة الخارجية، التي تعاني أصلاً من تدهور واضح في الأداء، وتراجع مؤسسي ملحوظ، أفقدها فعاليتها المعهودة. فبعد أن أظهرت الوزارة خلال فترة الدكتور علي يوسف القصيرة إشراقاً ووضوحاً في الموقف، وكفاءة في إدارة الملفات الإقليمية والدولية، عادت اليوم إلى المربع الرمادي؛ حيث الغموض والارتباك، بل وغياب الصوت السوداني في العديد من المحافل.

* وكان المأمول ـ بل الضرورة ـ أن يأتي القرار بتكليف السفير عمر محمد أحمد صديق وزيراً أصيلاً للخارجية، بالنظر إلى تجربته وثقله المهني والدبلوماسي، إلا أن القرار اكتفى بتعيينه وزير دولة، في موقع لا يمتلك فيه صلاحيات حقيقية، ولا تأثيراً فعلياً على مسار القرار الخارجي، وهو ما يعني عملياً أن الوزارة ستبقى على حالها من الجمود، وأن الرجل ـ رغم كفاءته ـ سيُقيّد بمنصب لا يُمكّنه من التغيير ولا حتى التدخل المؤثر.

* هذا التعيين يعكس استمرار حالة من الضبابية في إدارة ملف السياسة الخارجية، ويؤكد أن الاعتبارات السياسية ـ وربما التوازنات غير المعلنة ـ لا تزال تتحكم في اختيارات المواقع السيادية، بعيداً عن منطق الدولة، ومعايير المصلحة الوطنية العليا. فالسودان اليوم ـ أكثر من أي وقت مضى ـ بحاجة إلى صوت خارجي قوي، دبلوماسية نشطة، ووزارة تتمتع برؤية ومبادرة، لا إلى مواقع رمزية وأدوار ثانوية.

* في النهاية، فإن قرارات التعيين، وإن بدت من حيث الشكل خطوة نحو استكمال الهياكل التنفيذية، إلا أن مضمونها في بعض الجوانب يعكس استمرار أزمة عميقة في بناء الدولة وإعادة مؤسساتها إلى المسار الصحيح. والمؤسف أن وزارة الخارجية، وهي البوابة الأولى لصورة السودان في العالم، لا تزال تُدار بذات الذهنية التي تُفاقم أزمتها لا تحلّها.

*_خـلاصــة القــول ومنتهــاه_ :*

* إن تشكيل الحكومات لا يكون مجدياً ما لم يضع المصلحة الوطنية في مقدمة أولوياته، ويمنح الوزارات السيادية ما تستحقه من اهتمام وكفاءة وصلاحيات. فبينما مثلت بعض التعيينات خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن ما جرى في وزارة الخارجية لا يفسَّر إلا بكونه استمراراً لنمط إداري وسياسي يرفض التعلم من دروس الفشل، ويُصرّ على تهميش واحدة من أهم أدوات الدولة في زمن الحرب والعزلة والمعارك الساخنة . وإذا استمر التعامل مع السياسة الخارجية بمنطق الترضيات والمواقع الثانوية، فستبقى البلاد بلا صوت مؤثر، وسيتلاشي هامش المكتسبات الموجود ، وبلا قدرة على الدفاع عن مصالحها الإقليمية والدولية وفي كافة المحافل ، ناهيك عن تنميتها وتعزيزها .