✍ أحلام محمد الفكي : بشريات عاصمة جديدة ؛ خارطة طريق لإعمار الخرطوم

حمل لنا لقاء رئيس الوزراء مع الإعلاميين في القاهرة بشريات كثيرة، كان من أبرزها وأكثرها أملًا الحديث عن خطة إعمار الخرطوم. هذه الخطة لا تقتصر على مجرد ترميم المباني، بل تهدف إلى إعادة صياغة وجه العاصمة بالكامل لتكون مدينة عالمية حديثة تليق بتضحيات شعبها. إنها خارطة طريق واضحة تركز بشكل حاسم على نقطة بالغة الأهمية: التخطيط المُحكم قبل البدء في أي عملية إعمار.
هذا التركيز على التخطيط ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو حجر الزاوية الذي سيجنّب الخرطوم الوقوع في أخطاء الماضي. لقد شهدنا جميعًا كيف أدت التوسعات العشوائية وغياب الرؤية الشاملة إلى تدهور البنية التحتية وظهور مشكلات مزمنة في الأحياء والخدمات. اليوم، الفرصة سانحة لتصحيح المسار. إنها فرصة تاريخية لا تأتي إلا نادرًا، لإنشاء بنية تحتية متكاملة، شبكة طرق حديثة، مساحات خضراء شاسعة، وأنظمة ذكية لإدارة المدن.
التخطيط المُسبق للإعمار هو بوابة العبور نحو المستقبل. إنه يسمح بوضع رؤية حضرية متكاملة تأخذ في الاعتبار النمو السكاني المتوقع، وتضمن توزيعًا عادلًا للخدمات، وتوفر بيئة مستدامة وصديقة للبيئة. ومن هنا، يمكننا استلهام تجارب دول وعواصم أخرى نهضت من رماد الدمار لتتحول إلى أيقونات عالمية في الحداثة والجمال.
لنأخذ على سبيل المثال تجربة برلين الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية. المدينة التي كانت مجرد أنقاض، تحوّلت بفضل التخطيط الدقيق إلى واحدة من أكثر العواصم الأوروبية حيوية وجمالًا. تم إعادة بناء الأحياء مع الحفاظ على هويتها التاريخية، وتطوير شبكة نقل عام فعّالة، وإنشاء مساحات ثقافية وفنية جعلت منها مركزًا عالميًا للإبداع.
وفي آسيا، تُعدّ تجربة طوكيو بعد الزلزال المدمر في عام 1923 مثالًا آخر يُحتذى به. استغلت المدينة تلك الكارثة كنقطة انطلاق لإعادة بناء نفسها بطريقة أكثر مرونة ومقاومة للكوارث، مع إدراج أحدث التقنيات الهندسية في تصميم المباني والبنية التحتية. والنتيجة هي عاصمة عالمية متطورة، تُبهر العالم بتقدمها التكنولوجي وكفاءة أنظمتها.
إذاً، إن إعمار الخرطوم ليس مجرد إعادة بناء جدران، بل هو بناء مستقبل كامل. إنها فرصة لولادة جديدة، لمدينة تتأمل في أخطاء الماضي وتستلهم من نجاحات الآخرين. التخطيط المُحكم هو أول وأهم خطوة نحو تحقيق هذه الرؤية. إنها البشارة التي تمنحنا الأمل في أن الخرطوم ستعود أجمل وأقوى وأكثر ازدهارًا من أي وقت مضى..وفق الله حكومة الأمل لما تصبو اليه وجعل الجميع سندا وعونا لها .