✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ الصراع الإقتصادي العالمي وأثره على السودان

في عالمنا المعاصر، لم تعد الحروب تُخاض فقط بالسلاح، بل أصبح الاقتصاد ميداناً للصراع والنفوذ بين الدول. يُعد الصراع الاقتصادي العالمي من أبرز ملامح النظام الدولي الحديث، حيث تتنافس القوى الكبرى على السيطرة على الأسواق، الموارد الطبيعية، سلاسل الإمداد، والتفوق التكنولوجي. هذا الصراع لا يقتصر على التبادل التجاري، بل يشمل استخدام أدوات مثل العقوبات، الحصار، الحروب التجارية، والتحالفات الاقتصادية، مما يعكس تحولاً كبيراً في مفهوم القوة والهيمنة. وتبرز في هذا المشهد التنافسي دول مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، في حين تحاول قوى ناشئة كروسيا والهند والبرازيل أن ترسم لنفسها موقعاً في هذا التوازن العالمي الجديد.
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، بات الصراع الاقتصادي العالمي أحد المحاور الأساسية التي تحدد شكل العلاقات بين الدول ومراكز القوى. هذا الصراع لا يُدار فقط عبر المؤسسات الاقتصادية أو الاتفاقيات التجارية، بل أصبح ساحة حقيقية تُستخدم فيها أدوات الضغط المالي، الحروب التجارية، التنافس على التكنولوجيا، السيطرة على سلاسل الإمداد، والهيمنة على الموارد الطبيعية، خاصة في ظل عالم يزداد ترابطه وتداخله.
تتصدر هذا المشهد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، في سباق محموم نحو الزعامة الاقتصادية والتكنولوجية، حيث تسعى كلٌ منهما لترسيخ نفوذها عالميًا عبر تحالفات اقتصادية ومبادرات استراتيجية، مثل "الحزام والطريق" من جانب الصين، وسياسات "أمريكا أولاً" من الجانب الأمريكي. كما أن الحرب في أوكرانيا، وما تبعها من عقوبات اقتصادية، كشفت عن أهمية الأمن الاقتصادي كجزء من الأمن القومي، وأبرزت هشاشة الاعتماد على مصادر الطاقة والغذاء من مناطق النزاع.
في المقابل، بدأت قوى إقليمية ودول الجنوب العالمي تلعب أدوارًا متزايدة في هذا الصراع، ساعيةً لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي، عبر أطر جديدة مثل مجموعة "البريكس"، وصعود التكتلات الإفريقية والآسيوية.
إن هذا الصراع الاقتصادي العالمي لا يؤثر فقط على ميزان القوى بين الدول الكبرى، بل يمتد أثره إلى الاقتصادات الهشة والدول النامية التي تجد نفسها في موقع المتأثر بما يدور من تجاذبات، دون أن تكون طرفًا فاعلًا فيه.
يشهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعدًا في حدة الصراعات الاقتصادية بين القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، إلى جانب تداعيات الحروب، مثل الحرب في أوكرانيا، وأزمات سلاسل الإمداد، وتقلّب أسعار الطاقة والسلع الأساسية. هذه الصراعات لا تظل حبيسة حدود الدول المتقدمة، بل تمتد آثارها لتطال الدول النامية، ومنها السودان، الذي يعاني أصلًا من أزمات اقتصادية وهيكلية متراكمة.
في ظل هشاشة البنية الاقتصادية في السودان، واعتماد الدولة بشكل كبير على الواردات، والتأثر بتقلبات أسعار العملات العالمية، يصبح السودان أكثر عرضة لتبعات الصراع الاقتصادي العالمي. ويظهر ذلك في ارتفاع أسعار السلع، ونقص النقد الأجنبي، وانخفاض القدرة الشرائية، بالإضافة إلى تراجع فرص الاستثمار الأجنبي المباشر في بلد يفتقر إلى الاستقرار السياسي والأمني.
كما أن العقوبات، والتحوّلات في السياسات التجارية والمالية الدولية، تؤثر بشكل مباشر على علاقات السودان التجارية، وعلى قدرته في الوصول للأسواق أو الحصول على الدعم الدولي. وفي المقابل، يمكن النظر إلى هذه الصراعات كمصدر لفرص محدودة إذا ما تمكّن السودان من تطوير استراتيجيات مرنة تعزز من استقلاله الاقتصادي وتنوع شراكاته.