رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

✍ عمار العركي : أخيراً البرهان ؛ أمريكا في النهائي

بعد سلسلة طويلة من الجولات التفاوضية على مسارح مختلفة، من جدة إلى البحرين، ومن جنيف إلى اجتماعات الرباعية، بدا المشهد وكأن الولايات المتحدة تُدير اللعبة من وراء الستار، مكتفية بإشراك وكلاء وممثلين إقليميين ودوليين لتوجيه الأحداث وفق مصالحها. لكن النتيجة كانت مغايرة للتوقعات. جميع هؤلاء الوكلاء فشلوا في كسر إرادة السودان أو فرض أجنداتهم، فيما استمر السودان بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في الصمود والمناورة بذكاء سياسي وعسكري.

لقد أثبت السودان في كل مواجهة أنه قادر على إفشال الضغوط السياسية و الاقتصادية والدبلوماسية، محافظًا على وحدته و مصالحه الوطنية، حتى بلغ اليوم مرحلة المواجهة المباشرة مع الفاعل الحقيقي في الساحة الدولية - امريكا -. في لقاء يمثل اختبارًا جديدًا للقدرة السودانية على إدارة الأزمة من موقع قوة، بعد أن انتهت أدوار الوسطاء ووكلاء النفوذ، وظهر واضحًا أن الميدان الآن هو حيث تتحدد المعادلات الحقيقية.

إن هذه اللحظة تحمل دلالات استراتيجية هامة. *أولًا* ، انهيار نموذج الوكالة يجعل واشنطن مضطرة للتعامل مباشرة مع القيادة السودانية، اعترافًا ضمنيًا بأن إدارة الملف من خلال وسطاء لم تعد مجدية. *ثانيًا* ، نجاح الخرطوم في إفشال الضغوط المتتالية أكسبها قوة تفاوضية حقيقية، وجعل من الصمود السوداني معيارًا يفرض الاحترام، ويصعب تجاوزه. *ثالثًا* ، اللقاء يعيد تعريف موازين القوة في الملف السوداني، إذ لم يعد السودان مجرد طرف متأثر، بل أصبح قادرًا على التأثير في مسار الأحداث الدولية والإقليمية بشكل مباشر. *رابعًا* ، يمثل اختبارًا حاسمًا لكل الأطراف، داخليًا وخارجيًا، لمدى التزام واشنطن بالمعايير الدولية واحترام سيادة السودان، ومقدرة الخرطوم على فرض شروطها الوطنية دون التفريط في ثوابتها.

ويستند البرهان في هذه الجولة النهائية إلى اربعة عناصر رئيسية تعزز موقف السودان. *أولها* الشرعية الوطنية والدستورية التي يمنحه تمثيله الرسمي للدولة وقيادة الجيش قوة تفاوضية لا يمكن تجاوزها. *ثانيها* رصيد الصمود السياسي والعسكري الذي تم ترسيخه عبر التجارب السابقة في جدة والبحرين وجنيف، والذي منح السودان خبرة عملية في مواجهة الضغوط وحماية مصالحه، ويجعل أي محاولة للضغط عليه أمرًا صعب التنفيذ. *ثالثها* التحالفات الإقليمية والدولية المرنة، التي مكنت الخرطوم من توسيع دائرة شراكاتها بعيدًا عن النفوذ الأمريكي المباشر، *رابعها* الموقف السياسي و العسكري الميداني الجيش ، خاصة "صمود الفاشر" ، أدوات ضغط ومناورة إضافية تزيد من ثقل السودان على الطاولة الدولية.

يظل هذا اللقاء ليس مجرد جولة تفاوضية، بل تتويجًا لمسار طويل من الصمود والثبات، واختبارًا لقدرة السودان على إدارة الأزمة من موقع القوة. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة قد لا تتخلى عن أدوات الضغط الخفية أو الأفخاخ السياسية التي قد تُستغل لإضعاف موقف الجيش أو فرض شروط غير متكافئة. كما أن الإمارات، على الرغم من تراجع دورها المباشر، مستمرة في محاولات الإعاقة والتدخل عبر وكلاء محليين، سعياً لتعويم المليشيا وفرض أجندات خارجية على السودان.

في هذا السياق، يظل الجيش السوداني هو الضامن الحقيقي لسيادة السودان وقراره الوطني، والقيادة الحكيمة للبرهان هي العامل الحاسم لضمان أن أي تفاوض أو هدنة لا يتحول إلى منصة لإعادة ترتيب أوراق المليشيا أو تقويض الإنجازات الميدانية. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون التحرك الوطني متوازيًا على مسارين: ميداني يحافظ على مكاسب القوات المسلحة، وسياسي ودبلوماسي يضمن إدارة التفاوض من موقع قوة، مع اليقظة التامة تجاه أي محاولات لإسقاط المبادرات أو تحويلها إلى أدوات ضغط خارجية.

*_خلاصة القول ومنتهاه_*

الحسم والتسوية الحقيقية تمر عبر القوة الشرعية والموقف الثابت، وعدم الانجرار خلف أي عروض أو وعود قد تُستغل لتخفيف ضغط المجتمع الدولي على خصوم السودان ، ولإعطاء المليشيا فرصة لاستعادة مواقعها. وفي كل خطوة، يثبت السودان مرة أخرى أن إرادته هي المحرك الأساسي للقرار الوطني، وأن أي مفاوضات، مهما كانت مغرية، لن تكتمل إلا من موقع قوة حقيقية للجيش وسيادة الدولة.