✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ الاتزان السياسي الطريق نحو الإستقرار الوطني

يمثل الاتزان السياسي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها استقرار الدول ونهضتها، إذ لا يمكن لأي وطن أن يحقق التنمية أو يحافظ على وحدته في ظل مشهد سياسي مضطرب. والسودان، بتعقيداته التاريخية وتنوعه الثقافي والإثني، يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى صياغة معادلة جديدة تضمن التوازن بين القوى السياسية، وتضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
أول مدخل لتحقيق هذا الاتزان هو ترسيخ مفهوم الدولة باعتبارها الكيان الجامع الذي يسمو على الأحزاب والأفراد. فلا استقرار سياسي دون مؤسسات قوية ومستقلة، قادرة على حماية القانون وتطبيقه بعدالة، بعيداً عن التسييس أو الولاءات الضيقة.
كما أن إدارة الخلاف بالحوار تعد الخطوة الأكثر واقعية في منع الانزلاق إلى صراعات جديدة. فالمائدة المستديرة التي تجمع القوى المتباينة حول حلول وسط، أهم بكثير من لغة السلاح التي أثبتت فشلها عبر عقود طويلة. وفي السياق ذاته، تبرز العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية كشرط أساسي لإزالة المرارات المتراكمة، وبناء جسور الثقة بين المكونات الاجتماعية والسياسية.
من جهة أخرى، يظل الاستقرار الاقتصادي سنداً لا غنى عنه لأي عملية سياسية متوازنة، إذ أن الهشاشة الاقتصادية تفتح الباب واسعاً أمام التوترات والانقسامات. كذلك يلعب الإعلام دوراً محورياً في تعزيز الاتزان، من خلال تبني خطاب وطني مسؤول يبتعد عن التحريض والانحياز، ويقود الرأي العام نحو التهدئة والبناء.
وأخيراً، فإن تحقيق الاتزان السياسي لا يمكن أن يكتمل دون تربية وطنية تغرس في الأجيال القادمة ثقافة احترام التنوع وتقدير الاختلاف باعتباره مصدر قوة لا عامل ضعف.
إن الاتزان السياسي ليس وصفة جاهزة، بل عملية تراكمية تحتاج إلى إرادة صادقة، ومؤسسات راسخة، وحوار مفتوح لا يُقصي أحداً. وحده هذا الطريق كفيل بأن يعيد للسودان توازنه، ويضعه على عتبة الاستقرار والتنمية.
إن الاتزان السياسي ليس ترفاً فكرياً ولا شعاراً سياسياً، بل هو شرط وجود وبقاء للدولة السودانية. فإذا أردنا وطناً آمناً مستقراً، فعلينا أن نضع الخلافات جانباً، ونمضي بعقل راشد نحو الحوار، والعدالة، والمصلحة الوطنية العليا. فالسياسة بلا اتزان لا تنتج إلا الفوضى، أما السياسة المتزنة فهي التي تبني وطناً يسع الجميع ويقود شعبه إلى بر الأمان.وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل