✍ أحلام محمد الفكي : بيان الرباعية ؛ هل هو دعم لسلام السودان أم محاولة لإنقاذ الميليشيات؟

في لحظة فارقة من تاريخ السودان، وبعد أن تمكن الجيش الوطني من تحقيق تقدم ملموس في ساحات المعارك، ظهر فجأة على الساحة الدولية "البيان الرباعي المشترك" الصادر عن مصر، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية. يأتي هذا البيان، الذي يهدف بحسب نصّه إلى "استعادة السلام والأمن"، ليثير العديد من التساؤلات المشروعة حول توقيته الحرج وأهدافه الحقيقية.
على مدار أكثر من عامين، عانى الشعب السوداني من ويلات حرب طاحنة أشعلتها ميليشيات التمرد. خلال هذه الفترة، كانت هناك محاولات خجولة من بعض دول الرباعية لوقف الحرب ظاهرياً، لكنها في الحقيقة كانت تصب في خانة إسناد ودعم الميليشيات لمحاولة الانتصار على الجيش السوداني. كان الجميع يلاحظ صمتاً دولياً شبه تام، في حين كانت هذه الميليشيات تقتل وتنهب وتغتصب، وتفرض سيطرتها على الأحياء والمدن، تاركةً خلفها دماراً لا يمكن وصفه. أين كانت هذه الدول التي أصدرت البيان حين كانت المدن تُحرق والأبرياء يُقتلون؟
لماذا لم تتحرك هذه الرباعية بفاعلية منذ بداية الحرب لوقف النزيف؟
يأتي البيان الآن، وبعد أن أظهر الجيش السوداني تقدماً واضحاً في الميدان، مما يثير الشكوك حول دوافعه. هل هو حقًا لإنهاء معاناة الشعب السوداني، أم أنه محاولة لإيقاف تقدم الجيش ومنح الميليشيات فرصة لالتقاط أنفاسها وإعادة ترتيب صفوفها؟
هل الهدف هو تحقيق سلام حقيقي، أم فرض تسوية تمنح الميليشيا الشرعية وتساويها بالجيش الوطني؟
مصر، التي يربطها بالسودان تاريخ طويل وعلاقات أخوية عميقة، شاركت في هذا البيان. ورغم أن مصر فتحت أبوابها لملايين اللاجئين السودانيين، إلا أن مواقفها من الحرب في بدايتها كانت محل تساؤل. لماذا لم تسعَ القاهرة بشكل فعّال لحل الأزمة منذ الأيام الأولى للحرب، على الرغم من أن استقرار السودان هو جزء لا يتجزأ من أمنها القومي؟
البيان يبرز حرص مصر على "وحدة وسيادة السودان"
وهو موقف نثمنه ولكن التساؤلات تبقى قائمة:
لماذا لم يكن هذا الحرص ظاهراً بشكل كافٍ منذ بداية الحرب؟
وهل هذا البيان يمثل تحولاً حقيقياً في الموقف، أم هو مجرد محاولة للعب دور دبلوماسي في لحظة فارقة قد تغير ميزان القوى؟
هل نقبل تمرد الميليشيات؟
السؤال الأهم الذي يجب أن تطرحه هذه الدول على نفسها هو:
هل تقبل أي من دول الرباعية أن تتمرد ميليشيا على جيشها الوطني؟
هل تقبل أن يتعرض مدنيوها للقتل والنهب والاغتصاب على يد جماعات مسلحة غير نظامية؟
بالطبع لا. لأن الجيش هو المؤسسة التي تحمي الدولة والمواطنين. الميليشيات لا تحمي، بل تهدم وتدمر.
إن محاولة المساواة بين الجيش الوطني وميليشيا التمرد هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه. إنها تفتح الباب أمام الفوضى وتفكك الدول.
وقد رأينا نتائج هذه السياسات في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، حيث أدت إلى سنوات من الحروب الأهلية وعدم الاستقرار. الشعب السوداني، بوعيه ووحدته، لن يقبل تكرار هذه المأساة.
هذه الحرب كشفت الكثير من المواقف المخفية. فكلما حقق الجيش السوداني تقدماً، ظهرت قوى كانت في الظل تحاول إبقاء الوضع على ما هو عليه، لضمان استمرار الحرب واستنزاف البلاد.
إن الميليشيا، التي تشكلت حديثاً، لا يمكن أن تقارن بجيش عمره مائة عام، له عقيدته الوطنية وولاؤه للوطن.
نقولها بصوت عالٍ: لولا الدعم الخفي والمعلن لهذه الميليشيات من بعض الأطراف الإقليمية والدولية، لما استمرت الحرب حتى اليوم. إن الشعب السوداني لن يقبل أنصاف الحلول، ولن يرضى بأنصاف الانتصارات. فالجيش هو من يحمى المدنيين لا الميليشيات.
وكلما زاد الظلم، كلما اقترب النصر.
"وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ".