✍ راشد عبد الرحيم : إشارات ؛ السودان و النوير

تجري هذه الأيام في جنوب السودان محاكمة نائب رئيس الجمهورية الدكتور رياك مشار بتهم من بينها القتل و إرتكاب جرائم ضد الإنسانية .
مبعث التهم الحروبات التي قادها الجيش الأبيض عامي ٢٠١٣ و ٢٠١٨ و أدت لمقتل أكثر من ثلاثين ألفا أغلبهم من الدينكا .
الجيش الأبيض قوة فتاكة يهابها الدينكا و هي لا تخضع لسلطة القبيلة و لا رياك مشار بل لشباب يطمعون في الحصول علي نصيب من الحكم من الدينكا
ما يهمنا في هذه القضية هو أن السودان يرتبط و يتأثر كثيرا بقبيلة النوير فهم اول قبيلة نزحت و عملت أفرادها بأعداد مقدرة خاصة في مهن عمال البناء .
المرتزقة النوير شاركوا الدعم السريع في الحرب و في العديد من المناطق وسط السودان و شمال الخرطوم خاصة في الحاج يوسف .
كان إسهام النوير في القتل كبيرا وسببا في العديد من الخسائر . فقد عمل النوير في أسلحة المدفعية التي يجيدونها .
و عمل مقاتلو النوير علي تدريب المتمردين علي الأسلحة و فنون القتال المختلفة .
نشأت العلاقة العسكرية بينهما رغم العداوة التاريخية و المستمرة بينهم والمسيرية خاصة في ترحالهم السنوي جنوبا .
منطقة النوير هي منبع النفط و عماد موازنة الجنوب و حياتها إذ ليس للجنوب من مصادر للحصول علي الأموال الأجنبية غيره .
خط صادر نفط الجنوب يمر بالسودان و ليس للجنوب حاليا و لا مستقبلا من بديل .
السودان يحتاج لإستقرار الجنوب وهي معضلة مع موقف النوير المعادي و تحالفه الحالي مع التمرد و هو تحالف هش لا مستقبل له مع تمرد لا يؤمن له جانب .
محاكمة الدكتور رياك مشار تشكل معضلة كبيرة إذ يقوم التنافس علي رئاسة دولة الجنوب بين القبيلتين و لم تنجح كل الوساطات في التوصل لحل .
ينطلق الدينكا من حق يرونه في الحكم نسبة للعدد السكاني الكبير الذي يتجاوز نصف سكان الجنوب و سيطرتهم علي أراض شاسعة و يري النوير في حق المشاركة بصيغة تمنحهم نصيبا من السلطة لكونهم القوة الثانية في الدولة .
لا حل لمعضلة الحكم الا بقبول النوير بمنصب النائب دون فرصة للرئاسة او قبول الدينكا منح فترات حكم للنوير .
الدول المجاورة للجنوب و علي رأسها كينيا و يوغندا يبدو انها صاحبة مصلحة في إستمرار النزاع لإستفادتها الإقتصادية الكبيرة إذ يشكل الجنوب سوقا لها مع ثروة نفطية موعودة .
و الجنوب كثيرا ما شكل ملجأ للقوي العسكرية المعادية كما حدث مع جيش الرب اليوغندي .
الأزمة الأكبر التي يواجهها الجنوب حاليا عزوف الدول الغربية عن التدخل بعد أن حققت هدفها الأكبر و هو إبعاد تمدد الإسلام بعد الإنفصال .
كما ان نفط الجنوب لا يتوفر بإحتياطات كبيرة و تكاليفه الباهظة لا تجعله مجديا إقتصاديا .
السودان الان أمام وضع في جنوب السودان لا ينفع معه الإبتعاد و لا إنتظار الأضرار التي بلغت حد تهديد كيان الدولة و قتل مواطنيها بل الأمر يحتاج تدخلا ناعما بنفوذ داخلي و للسودان حظوظ وافرة في هذا و أيضا بعصا غليظة لا تستعمل إلا عند الضرورة . و كثيرا ما تنفع غلظة العصا و ترفع الحاجة لإستخدامها.