✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ هل الحرب بما كسبت أيدينا؟

قبل قيام الحرب َكان الوضع اليومي ينذر بخطر وان سلوكنا وتعاملنا الحياتية فيها اشياء تغضب رب العباد من التعري والفسوق والربا ومايحدث في الشارع من ممارسات عديدة في سلوك الشخصية السودانية وعدم الاحترام الذي انتشر في الجيل الصاعد وانا شاهد عيان خاصة في الجامعات كان بمثابه شرارة اولي للحرب الذي نعيش مرارته حتي يومنا هذا
الحروب لا تنشأ من فراغ، بل هي نتيجة لمسارات طويلة من الأخطاء البشرية، والصراعات المتراكمة، والظلم الذي تراكم على مر السنين. والسؤال الذي يطرحه كثيرون اليوم: هل ما نعيشه من حرب هو بما كسبت أيدينا؟
من منظور ديني، يوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، وهو تأكيد أن البلاء الذي ينزل على الأمم لا ينفصل عن أعمالها. حين يسود الظلم، وتضيع العدالة، ويتفشى الفساد، فإن النتيجة الطبيعية هي الانقسام، والصراع، وربما الحرب.
وفي السودان، الحرب الحالية ليست حادثة طارئة، بل هي انعكاس لتاريخ من التهميش والفساد والصراعات على السلطة، وإهمال بناء مؤسسات الدولة على أسس راسخة. كل هذه التراكمات صنعت بيئة خصبة لانفجار النزاع، وكأنها حصاد لما زرعناه بأيدينا.
لكن، لا ينبغي أن يُفهم الأمر على أنه عقوبة فقط، فقد تكون الحرب أيضاً رسالة تنبيه، وفرصة لمراجعة الذات، وبداية لمسار جديد أكثر عدلاً وتماسكاً. فالأمم العظيمة كثيراً ما خرجت من رحم الأزمات، لتصنع نهضة حقيقية حين أدركت أخطاءها، وتعلمت من جراحها.
إذن، نعم، الحرب هي بما كسبت أيدينا، لكنها في الوقت نفسه دعوة للتغيير والإصلاح، وفرصة نادرة لبناء وطن جديد يقوم على العدل والمساواة ووحدة الكلمة. والواجب علينا أن نحول هذا الألم إلى قوة دافعة نحو مستقبل أفضل، لا أن نتركه يعيدنا إلى دائرة الانقسام والدمار.
الحرب، في جوهرها، ليست مجرد صراع بين جيوش أو مجموعات مسلحة، بل هي انعكاس لأزمات أعمق في بنية المجتمعات والدول. حين تندلع الحروب، يتساءل الناس: هل هي قَدَرٌ محتوم؟ أم أنها نتيجة طبيعية لما كسبت أيدينا؟
ولو طبقنا هذا المفهوم على واقع السودان، نجد أن الحرب لم تأت فجأة، بل سبقتها عقود من الأخطاء السياسية والاجتماعية. الفساد استشرى في مؤسسات الدولة، والسلطة تحولت إلى غنيمة، وتراجعت قيمة القانون أمام منطق القوة. أُهملت التنمية، وضاعت الفرص، وتُرك الشعب في مواجهة أزمات الفقر والجهل، بينما النخب السياسية تتصارع على الكراسي. هذا كله كان كسب أيدينا، فكان لابد أن ينفجر الواقع ذات يوم.
لكن الحرب، رغم قسوتها، ليست نهاية الطريق. فهي أيضاً رسالة إنذار وفرصة مراجعة. الأمم التي تتعلم من أزماتها تستطيع أن تنهض من تحت الركام أقوى مما كانت. فالتاريخ مليء بشعوب عانت الحروب والدمار، ثم أعادت بناء أوطانها لتصبح أكثر قوة وعدلاً.
نعم، الحرب في السودان هي بما كسبت أيدينا، لكنها ليست قدراً أبدياً. هي جرس إنذار يدعونا جميعاً إلى إعادة التفكير في طريقنا، وإلى بناء وطن جديد يقوم على أسس العدالة والمواطنة والوحدة. فإذا وعينا الدرس، فإن دماء الشهداء لن تذهب هدراً، وسيكون هذا الألم بداية فجر جديد. أما إذا تجاهلنا الحقائق وعدنا لدوامة الصراع، فسوف يعيد التاريخ نفسه بأشد مما نرى اليوم.
وهكذا ندرك أن ما نعيشه اليوم لم يأتِ من فراغ، بل هو حصاد سنين من الأخطاء والتقصير، ونتاج طبيعي لما كسبت أيدينا. غير أن الاعتراف بالذنب هو أول طريق الإصلاح، وأن الاستفادة من الدروس القاسية سبيل لبناء غدٍ أفضل. فإن أحسنا الاختيار وتجاوزنا مرارات الماضي بوعيٍ ووحدةٍ وإرادةٍ صادقة، تحول الألم إلى قوة، والخراب إلى بداية جديدة، فنكتب تاريخًا مختلفًا لا تُعيد فيه الأقدار نفس المشهد المؤلم مرة أخرى. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل