✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ هل نعيش عصر المراهقة السياسية؟

وأنا أتصفح بعض من القروبات التي تنتاول الشان السياسي تناولت مداخلة في ردها مصطلح( المراهقة السياسية) لاول مرة اطلع علي هذا المصطلح فكان هو عنوان مقال اليوم
حيث فعلا يعيش العالم اليوم حالة ارتباك سياسي غير مسبوقة، تختلط فيها المفاهيم وتضيع فيها البوصلة. فبين الشعارات البراقة والواقع المضطرب، وبين الرغبة في التغيير والخوف من المجهول، يمكن أن نصف المرحلة الراهنة بأنها عصر المراهقة السياسية — مرحلة تكثر فيها الأخطاء، وتتعالى فيها الأصوات، ويغيب فيها الاتزان المطلوب لبناء الأوطان.
المراهقة السياسية هي تلك المرحلة التي تتغلب فيها العاطفة على العقل، والانفعال على الحكمة، والمصالح الضيقة على المصلحة العامة. فيها يتبدل الموقف بتبدل الرياح، ويُرفع الشعار اليوم ليتبدد غدًا. لا ثبات في الرؤية، ولا وضوح في الهدف، وكأن السياسة تحولت من مسؤولية وطنية إلى لعبة تتقاذفها الأهواء.
وفي السودان، تظهر ملامح هذه المراهقة السياسية بوضوح منذ اندلاع الصراعات الأخيرة. فبعد سنوات من الثورة والأمل، سقطت النخب السياسية في فخ الانقسام والتنافس على الكراسي، بدل التوافق على مشروع وطني جامع. القوى المدنية انشغلت بالخلافات البينية، والقوى السياسية تنازعت في مفهوم المشهد ، بينما ظل المواطن البسيط يدفع الثمن الأكبر من أمنه ولقمته ومستقبله.
لقد فشلت النخب في تحويل الثورة إلى بناء مؤسسات، وفي ترجمة التضحيات إلى عقد اجتماعي جديد يؤسس لدولة العدالة والمواطنة. فكانت النتيجة حالة من التيه، تُشبه إلى حد كبير مراهقة تبحث عن ذاتها وسط الضجيج.
لكن المراهقة ليست لعنة، بل مرحلة لا بد منها قبل النضج. فكما يتعلم الفرد من أخطائه، تتعلم الشعوب من تجاربها، مهما كانت قاسية. إن السودان اليوم يقف عند مفترق طرق: إما أن يظل أسير المراهقة السياسية بتقلباتها وصراعاتها، أو أن يتجه نحو النضج السياسي القائم على الوعي، والمؤسسات، والاتفاق على مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
إن ما نحتاجه ليس مزيدًا من الجدل، بل وعيًا وطنيًا جديدًا يقوم على التربية السياسية، واحترام القانون، وتجديد الثقة بين الشعب ومؤسساته. نحتاج إلى جيلٍ يفكر بعقل الدولة لا بعاطفة الحزب، جيلٍ يؤمن أن الوطن أكبر من الجميع، وأن الخلاف يجب أن يكون وسيلة للتطور لا أداة للهدم.
قد نعيش اليوم عصر المراهقة السياسية، لكننا نملك كل مقومات النضج. فالوعي الشعبي يتصاعد، والتجربة تُعلّم، والجرح الوطني رغم عمقه يوقظ فينا روحًا جديدة تبحث عن المعنى والكرامة.
ولعل هذا الجيل السوداني، الذي صبر على الحرب وذاق مرارة الانقسام، هو من سيقود السودان إلى مرحلة النضج السياسي، حيث تتقدّم الحكمة على الانفعال، وتُقدَّم المصلحة العامة على كل ما سواها.
فليكن ما نمرّ به اليوم درسًا، لا لعنة. فالمراهقة السياسية، مهما طال زمنها، لا بد أن تنتهي بولادة وطنٍ راشدٍ، يعرف طريقه ويصنع مستقبله بيده.
، يمكن القول إن الوعي السياسي للشعب هو حجر الأساس لبناء دولة قوية وعادلة، فكلما ارتفع مستوى الوعي زادت القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وبين المصلحة العامة والمكاسب الضيقة. إن الشعب الواعي هو الذي يصنع قراره بوعي، ويدافع عن وطنه بعقل قبل العاطفة، فيكون شريكاً حقيقياً في صياغة المستقبل. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل