✍ د. محمد عثمان عوض الله : بأم زريدو الجيش يمارس هوايته ويستنزف المليشيا في كردفان حتى يكون الإنهيار في دارفور

أم زريدو هي الإستراتيجية المحببة للجيش والتي طبقها على المليشيا في الجزيرة والان يعيدها في كردفان، بغرض استنزافها حتى الانهيار وهو المصير المحتوم الذي آلت إليه في الخرطوم و سيحدث لها في دارفور.
الجيش نفذ إستراتيجيته المفضلة (شرك أم زريدو) في الجزيرة، وحقق بها النصر والتحرير، حافظ من خلالها على جنوده وعتاده بلا خسائر تقريبا. اليوم يكرر الجيش ذات الاستراتيجية ضد المليشيا في كردفان. وقوام هذه الاستراتيجية يتجلى بوضوح في خطوات متسلسلة: التقدم الحذر، استنزاف العدو، استهداف قادة متحركاته بالقتل المباشر، التتبع الاستخباري لحركات و متحركات و استنفارات، اختراق العدو بالمعلومات من داخله، نصب الكمائن القاسية، استهداف معسكرات و مياديين تدريب ومراقبة تحركات جنود المليشيا ... الخ.
هذه هي الاستراتيجية المباشرة التي ظل الجيش يطبقها في كردفان بصورة ثابتة وواضحة، وحققت نتائج ملموسة: تحرير عدد من المدن والمواقع الكبيرة والاستراتيجية، تدمير اليات و متحركات المليشيا وارتكازاتها، وقتل قادتها استيلاء على الغنائم. إلا أن الهدف الأول للجيش، بالرغم من كل ذلك، لم يكن الاستعجال في الاستيلاء على الأرض، بل كان هاجسه الأساسي هو تدمير العدو عبر استنزافه واستهداف عدته وعتاده، لتصبح النتيجة النهائية وهي تحرير الأرض مجرد تحصيل حاصل لسياسة استراتيجية فعالة.
وصل الجيش إلى مرحلة متقدمة، حيث أنهى أكثر من 80% من مرحلة استنزاف العدو بعد قتل كل قادة متحركاته الميدانيين. المليشيا الآن تعاني من فقدان القادة الميدانيين، ومن وفاة أعداد كبيرة من مقاتليها وفي معارك يومية متفرقة تحدث عمليات قتل بأعداد تصل إلى المئات والآلاف مما أدى الى استنزف ليس المليشيا فقط بل حتى حواضنها الاجتماعية في أقصى الأرياف.
الآثار الاجتماعية والسلوكية لهذا الاستنزاف باتت ظاهرة: الاستسلام المتواصل، الهروب المتواصل، والانشقاقات المستمرة داخل صفوفهم، التي انعكست أيضا في الاتهامات والشكوك المتبادلة بين مجموعات المليشيا و حواضنها الإجتماعية. هذه العلامات تدل على تآكل الروح القتالية والهيكل القيادي للمليشيا و وصولها الى مرحلة أقرب الى الانهيار.
السؤال الآن: ثم ماذا بعد ذلك؟
الإجابة تنقلنا مباشرة إلى ذاكرة ما بعد تحرير الجزيرة، حيث شهدت المليشيا انهيارا تاما في الخرطوم. المشاهد لا تزال حاضرة: جثث جنود المليشيا ملقاة بالآلاف، وما تبقّى منهم تركوا أسلحتهم وعرباتهم وعبروا كبرى جبل أولياء في طابور سير طويل. المشهد الآخر من صورة الانهيار هو الذي دونه إعلامي المليشيا إبراهيم بقال حيث خرج يصبح و هو يزرف الدموع ويصرخ (نفسي نفسي. لم أجد حقنة الاونسولين). كان ذلك في الصالحة، آخر نقاط هروبهم من أم درمان.
إذاً و بعد اكتمال تحرير كردفان، من الحتمي أن تنهار المليشيا في دارفور كما انهارت من قبل في الخرطوم. سبب ذلك هو أن حائط الصد الذي كانوا يعتمدون عليه في كردفان قد انتهى، وأن الالتحام صار مباشرا بلا خط حماية. سيدب الخوف في جنود المليشيا و يصيحون نفسي نفسي، وستصبح فكرة البحث عن مخرج شخصي هي الفكرة المسيطرة: كل جندي سيلجأ إلى قريته وعشيرته وأسرته، أولا لحماية نفسه وثانيا لحماية عائلته من احتمالات الانتقام من القوات المشتركة التي كانت محاصرة في الفاشر.
مع تزايد القناعة بحتمية المصير المحتوم وحتمية انتصار الجيش، سيزيد الاستسلام والهروب والانشقاقات حتى يكتمل سيناريو الانهيار. سيستمر هذا الاستنزاف والضرب والقتل والتقدم الحذر وتحرير المدن واحدة بعد الأخرى، إلى أن تبدأ لحظة الانهيار النهائية، وعندها سيصرخ كل جنود المليشيا مرة أخرى بصوت (نفسي نفسي).
إن سياسة الاستنزاف والتفكيك القيادي التي اتخذها الجيش عبر التقدم الحذر، الاستهداف المباشر للقادة، الاختراق الاستخباري، نصب الكمائن القاسية، واستهداف معدات العدو لم تكن مجرد تكتيكات ميدانية بل ظلت استراتيجية متكاملة أدت إلى نتائج واضحة في مدني والآن في كردفان، وتمهد لانهيار كامل متوقع في دارفور كما شاهدنا سابقا في الخرطوم.