عمار عركي .... يكتب :الكـوليـــرا فــــي زمـــــن الـحــــرب

*حين يتحول العشق إلى مقاومة… وترتفع راية الوباء في وجه الخذلان*
▪في رائعة الروائي الكولمبي غابرييل غارسيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا"، يتجاوز الحب قيود الزمن، و الحرب، والمرض، ليبقى قائمًا رغم شيخوخة العاشقين، في عالم يتداعى.
كانت فيه الحرب الأهلية الكولومبية خلفية خافتة، لكن "الكوليرا" كانت العنوان الأوضح: مرض يتفشّى، يقتل، يختبر الأخلاق والضمير، ويكشف هشاشة المجتمعات في زمن الفوضى.
▪️واليوم، يبدو أن السودان يعيش نسخته الواقعية من تلك الرواية. فبين حربٍ صُممت كي تصير أهليةٍ تمزّق الجغرافيا والوجود ، "وكوليرا" بيولوجيةٍ تنهش الأجساد ، يجد الشعب نفسه كما وجد "فلورنتينو" في الرواية: عاشقًا منكسرًا، متمسكًا بالحب رغم عبثية المشهد.
*_الشعب والجيش: رواية حب مؤجلة_*
▪️كما انتظر "فلورنتينو أريثا" حبيبته خمسين عامًا، يقف "الشعب" السوداني في انتظار "جيشه" ، في انتظار الخلاص ، تحالفٍ ما، يقلب المعادلة.
▪️وكأن الجيش هو "فيرمينا" — تلك التي أخذها الواقع إلى خيارات أخرى، لكنها في النهاية، لا تجد سكينة إلا في حضن الحب الأول… حضن الحقيقة.
*_في زمن الحرب، لا مكان للعواطف — هكذا يُقال_ .*
▪️لكن الحقيقة أن الوطنية، إن لم تتأسس على "عاطفة حقيقية" تجاه الشعب، فإنها تتحول إلى آلة باردة… وهذا ما أراد ماركيز قولــه :
"*الحب في زمن المرض… لا يُنكر، بل يُتمسّك به."*
*_حين يصبح الوباء حقيقة… والرمز واقعًا_*
▪️في الرواية، رفعت السفينة علم "الكوليرا الأصفر" ، إعلانًا بأن لا أحد يصعد ولا أحد ينزل… فقط العاشقان في نهر لا يعود.
وفي السودان، الوباء مرفوع فعلًا : "الكوليرا" تضرب العودةوالنزوح والسفوح ، كما تضرب الحرب قلب الوطن.الحصار، النزوح، انقطاع الخدمات، وحتى الجثث في الشوارع… كل ذلك لم يعد رمزيًا كما في الأدب.
بل واقع يومي، يعاش كما يُقرأ.
*_المفارقة الكولومبية: من رواية الحب… إلى بندقية المرتزقة_*
▪️ولعل المفارقة التي لا يمكن تجاهلها، أن الحرب الأهلية الكولومبية التي ألهمت ماركيز روايته، عادت اليوم لتحضر في السودان — لا عبر "القلم" ، بل عبر " البندقية"، مرتزقة كولومبيون يُشاركون في الحرب السودانية، يقاتلون ضمن قوات أجنبية تدير الصراع وتغذيه.
▪️من كان يظن أن بلاد "الحب في زمن الكوليرا" سترسل رجالها إلى بلاد "الكوليرا في زمن الحرب"؟
وأن الجراح التي نزفها ماركيز حبرًا، ستنزفها بلادنا دمًا؟ هنا تكتمل المفارقة :
من الحرب إلى الحب، ومن الرواية إلى الواقع… ومن السفينة إلى المعسكر.
*_إلى أين تمضي السفينة_ ؟*
▪️السفينة في الرواية لم ترسُو، بقيت تبحر في النهر، ترفع راية العزلة، لا خوفًا من الوباء، بل حماية لما تبقى من صدق، فهل نملك — نحن السودانيين — ترف رفع تلك الراية؟ هل نصنع من السفينة تحالفًا بين الشعب والجيش، يُنقذ ما تبقى؟
أم نواصل الغرق في وحل المرتزقة، والفتن، والوباء؟ "الكوليرا" ليست فقط وباءً…
بل اختصارًا لحالة وطن ، يحتاج الحب أكثر مما يحتاج البارود.
▪️ نبدأ من الآن بصياغة العقد الجديد ، بين شعبٍ ينتظر، وجيشٍ عاد لينتصر ، ووطنٍ يمرض "بالكوليرا" لكنه لا يموت ،،، "الكوليرا" في زمن الحرب ليست فقط عنوانًا أدبيًا مترفاً .... إنها إنذار… ورسالة… وبصيص من قبس في رواية سودانية لا سابق لها في مكتبة الإنسانية ،،،،، ولم تُكتب نهايتها بعد .