رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

عبدالمنان ابكرعمر... يكتب : صمتٌ دولي وتواطؤٌ مريب.. الفاشر تختنق تحت الحصار ومليشيا الدعم السريع تخرق الاتفاقات الإنسانية

عبد المنان ابكر
عبد المنان ابكر


في ظل حصار خانق تعيشه مدينة الفاشر منذ أكثر من عام ونصف ومع صمت أممي مريب تتصاعد أصوات تنادي بضرورة التحرك العاجل لكسر الحصار وإنقاذ المدنيين. في هذا المقال نعرض أبعاد الأزمة وندعو لموقف حازم عربي وإفريقي.
منذ اندلاع الحرب في السودان أولى المجتمع الدولي اهتمامًا متزايدًا بالجانب الإنساني للأزمة حيث أكدت الأمم المتحدة مرارًا على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب بغض النظر عن الجهة المسيطرة على الأرض. وفي هذا الإطار تم التوصل إلى تفاهمات بين القوات المسلحة وقيادة مليشيا الدعم السريع والحركة الشعبية - قطاع الشمال وباشراف الامم المتحدة بشأن السماح بمرور قوافل الإغاثة الإنسانية عبر معابر محددة بموافقة جميع الأطراف.
وقد سمحت الحكومة السودانية ضمن هذه التفاهمات بمرور مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة من دولة تشاد عبر معبر "أدكونق" في ولاية غرب دارفور وهي منطقة تقع تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع وتم توزيع هذه المساعدات في مناطق دارفور الخاضعة لسيطرة تلك القوات دون أي عوائق تُذكر.
لكن في المقابل استولت قوات الدعم السريع على قافلة مساعدات إنسانية مكوّنة من عشرين شاحنة كانت متجهة إلى مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور وقامت بتوزيعها على مناطق وحواضنها الموالية لها بدلًا من إيصالها إلى المدنيين المحاصرين داخل المدينة في خرقٍ واضح وصريح للاتفاقات التي تم التوصل إليها بمشاركة الأمم المتحدة.
مدينة الفاشر التي يقطنها أكثر من مليون نسمة تعيش أوضاعًا إنسانية مأساوية هي الأسوأ منذ اندلاع الحرب. فالمواد الغذائية شبه منعدمة، والمرافق الصحية منهارة، والدواء مفقود، والمرضى والجرحى يُتركون لمصيرهم بلا علاج. وقد فاقم الحصار المفروض من قبل مليشيا الدعم السريع من معاناة المدنيين الذين يواجهون المجاعة والأوبئة والموت البطيء في ظل صمت دولي وعجز المنظمات الإنسانية عن التدخل الفاعل.
الأخطر من ذلك أن الأمم المتحدة وعلى الرغم من علمها المسبق بهذا الانتهاك لم تصدر حتى الآن أي بيان رسمي يدين ما حدث ولم تشر إلى هذه الحادثة في تقاريرها الدورية. هذا الصمت الأممي يُعد تواطؤًا غير مباشر مع طرف يستخدم الحصار كسلاح حرب ضد المدنيين ويتعارض مع المبادئ التي تدّعي الأمم المتحدة الدفاع عنها خاصة في ما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
ما يحدث اليوم في الفاشر لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان ووصمة عار في جبين المجتمع الدولي والمنظمة الأممية التي تتجاهل معاناة مئات الآلاف من الأبرياء. وسيُسجّل التاريخ هذا الموقف المخزي كدليل على الفشل الأممي في حماية الإنسان السوداني.
وفي ظل هذا التقاعس الدولي ندعو جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي وكافة المنظمات الإقليمية إلى تحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية تجاه ما يجري في السودان وبالأخص في مدينة الفاشر التي تُواجه خطر الإبادة الجماعية البطيئة. إن استمرار الصمت العربي والإفريقي إزاء هذه الانتهاكات لا يُغتفر ويُشكّل خذلانًا تاريخيًا لأشقاء يعانون في صمت.
نناشد هذه المنظمات التحرك الفوري والفعّال من خلال إرسال بعثات تقصّي حقائق والضغط على الدعم السريع المعرقل لإيصال المساعدات والعمل على فتح ممرات إنسانية آمنة وفق الاتفاق الموقع بين الاطراف. فالصمت لم يعد خيارًا والحياد في وجه الجرائم ليس إلا تواطؤًا. إن ما يحدث في الفاشر اليوم يجب أن يكون ناقوس خطر يوقظ الضمير العربي والإفريقي والدولي قبل فوات الأوان.

موضوعات متعلقة