✍ د. ماجد السر عثمان : مراسي واجب الأوطان داعينا للعودة

أبو حباب والتهديف خارج الشبكة
تعقيبًا على مقال صديقي محمد عبدالقادر
من يعرف صديقي الكاتب الصحفي اللامع "أبو حباب" – محمد عبدالقادر – يدرك أنه قناص الكلمة، وحريف التوصيف، لا يسدد جزافًا، ولا يركل خارج المرمى إلا لمقصد بليغ.
لكن في مقاله الأخير عن "الخرطوم المستحيلة", بدا وكأن أبا حباب قد سدد الكرة من منتصف الملعب نحو مرمى بلا حارس… فأصاب العارضة وخرجت إلى المدرجات!
قال في مقاله إن العودة إلى قلب الخرطوم حلم بعيد، وأن أم درمان وبحري ربما تستقبلان العائدين، أما الخرطوم فذلك أمر مستحيل قبل ثلاث سنوات، لانعدام الخدمات والأمن، وكأن الخرطوم مدينة أشباح كتب عليها التيه الطويل.
أعرف أن أبا حباب كتب من واقع قاسٍ رآه بأم عينه، ومن مشاعر صادقة لا تُشكك فيها نواياه. ولكن، هل الاستسلام لوصف الحال هو المهمة الصحفية؟ أم أن دور الكلمة أن تفتح كوة للضوء مهما اشتد الظلام؟
الخرطوم يا صديقي ليست بنايات فقط، ولا أرصفة ممزقة. الخرطوم ناسها. شبابها الذين عادوا أولاً، والرجال الذين أصلحوا أبواب بيوتهم بأيديهم، والأمهات اللواتي أعدن فتح النوافذ في الصباحات الأولى على أمل.
صحيح أن الخدمات ضعيفة، والأمن هش في بعض الأحياء، لكن العودة نفسها هي أول خيط الأمان. فمتى ما عاد الناس، عادت الحركة، وحين تعود الحركة، يضطر الجميع لتوفير الخدمة، وتتولد الحاجة والنظام معًا.
من قال إن الخرطوم يجب أن تُنتظر ثلاث سنوات كي تُبعث؟ من يقرر ذلك؟ الخرطوم تنهض الآن، بصمت وصبر، بأدوات بسيطة، ولكنها تنهض. ليس بفعل الدول أو المنظمات، بل بإصرار الناس على الحياة.
لو أن كل من عشق الخرطوم انتظر "ظروفًا مثالية"، لما عادت الحياة إلى بيروت بعد الحرب، ولا سراييفو، ولا الموصل، ولا كابول.
يا صديقي، الخرطوم تحتاج منّا أن نشد أزرها لا أن نرثيها. أن نكتب لها لا عنها. أن نكون في مقدمة العائدين لا في قوائم المؤجلين. أن نقول للناس: عودوا، فعودتكم هي الحماية، وهي الرهان.
لن نكذب عليهم، نعم الخرطوم صعبة، لكنها ليست مستحيلة.
عودوا إلى الخرطوم، حتى لا تبقى لمن لا يستحقها.