رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

✍ الركابي حسن يعقوب : قراءة في مخرجات إجتماع الكتلة الديمقراطية

اطلعت بإهتمام شديد على مخرجات إجتماع اللجنة السياسية لمجموعة الكتلة الديمقراطية ، الذي انعقد أمس الأحد بالعاصمة الإدارية بورتسودان ، وقد ناقش الإجتماع بحسب ما رشح في وسائل الإعلام التطورات السياسية والأوضاع الميدانية على محاور القتال المختلفة.

ويمكن تلخيص أهم هذه المخرجات في عدد من النقاط الرئيسية على النحو التالي :

* الجهود الجارية بشأن تشكيل حكومة الأمل.

* التحول الديمقراطي المدني.

* قضية التوافق الوطني.

* تعريف الحرب الدائرة الآن.

* كيفية إنهاء هذه الحرب..

* دور القوى الخارجية في الحرب.

* محاولات الميليشيا لربط المجتمعات المحلية بمشروعها السياسي.

و تعليقاََ على هذه المخرجات يمكن القول أنها قد جمعت فأوعت، ولخصت بصورة إجمالية القضايا الوطنية الراهنة بروح تصالحية وبرؤية واقعية لا تكاد ترى فيها ظلال مصالح حزبية خاصة ، أو أجندة سياسية أو توجهات جهوية تتعارض مع التوجه الوطني العام ولا غرو في ذلك حيث أن الكتلة الديمقراطية اتخذت موقفاََ واضحاََ معارضاََ لأختها في الرضاعة (المجلس المركزي) التي انحازت بشكل سافر إلى جانب ميليشيا الدعم السريع واختارت أن تكون الظهير السياسي لها ، وهي مفاصلة وقعت بينهما قبل الحرب، وبعد المحاولة الفاشلة من قبل الميليشيا وظهيرها السياسي للاستيلاء على السلطة بالقوة اختارت الكتلة الديمقراطية الوقوف في الصف الوطني ضد الميليشيا وجناحها السياسي الذي تقلب في أسماء وألقاب عديدة من لدن المجلس المركزي وحتى (تأسيس).

وبالعودة إلى مخرجات إجتماع الكتلة الأخير فإن النظر إليها بعين التحليل المجردة من قيود (الرضا) التي هي عن كل عيب كليلة ، وعين (السخط) التي تبدي المساويا أو كما قال الإمام الشافعي في ديوانه (رويّ الياء)، فإن هذه النظرة التحليلية المجردة تفضي إلى نتيجة واحدة وهي أن الكتلة الديمقراطية قد وضعت نفسها على أول الطريق الصحيح نحو الوجهة الصحيحة والهدف الصحيح الذي هو في نهاية المطاف هدف وطني خالص مبرأ وخالي من أي بصمات أجنبية خبيثة .

فبشأن الجهود الجارية لاستكمال تشكيل حكومة الأمل ، فقد أكدت الكتلة دعمها وتأييدها لرئيس الوزراء كامل إدريس ومساعيه الحثيثة لاستكمال تعيين ما تبقى من الوزراء، وهو موقف منسجم مع الإتجاه الشعبي العام المؤيد لهذه المساعي.

كذلك فإن الكتلة جددت تمسكها بخيار التحول الديمقراطي المدني وهو خيار محل إتفاق جميع القوى السياسية الوطنية الداعمة لمعركة الكرامة ،كونه يمثل حلاََ لمعضلة تداول السلطة التي استمرت كمرض مزمن لازم الحياة السياسية في السودان منذ الإستقلال.

وبخصوص قضية التوافق الوطني ، فإن الكتلة الديمقراطية ترى أهمية حدوث هذا التوافق ، وترى أن الوصول إليه يتم عبر حوار وطني خالص، وأن يكون شاملاََ و(لا يستثني أحداً)، وبهذا تكون الكتلة قد خلعت عن نفسها رداء الإقصاء وتخلصت من إزار الأحكام المسبقة الجامدة على بعض خصومها السياسيين ، وتنزهت عن سوءات خطاب الكراهية ويعتبر ذلك تطوراََ نوعياََ يحسب لصالحها بلا شك، وهو تطور مهم ومن شأنه تقويم اعوجاج الممارسة السياسية وتقوية الاتجاهات التصالحية والتنافس السياسي الشريف.

ويأتي تعريف الكتلة الديمقراطية - بحسب ما أعلنته في إجتماع الأمس - للحرب ليضع النقاط على الحروف والأمور في نصابها الصحيح، بقولها أن الحرب نتجت بسبب تمرد قوات الدعم السريع على الدولة السودانية، وهو تعريف يطابق الواقع ويعكس الحقيقة كما هي مجردة ويذيب الجدلية البيزنطية المفتعلة والسؤال (التغبيشي) الذي يقول "من أطلق الرصاصة الأولى" بإجابة واضحة مباشرة وهي أن ميليشيا الدعم السريع هي من أطلق الرصاصة الأولى.

وتقدم الكتلة وصفة لكيفية إنهاء الحرب حين تقول أن أي خارطة طريق لإنهاء الحرب ينبغي أن يتم طرحها من القوى الوطنية المحلية وأن الحلول الواردة من الخارج لا تصلح، وتشير الكتلة تحديداََ إلى أن الأمارات لا تصلح أن تكون وسيطاََ ولا ينبغي أن تلعب دوراََ في التوصل لأي سلام في الوقت الراهن، وهذا الإتجاه هو عينه ما يريده الشعب السوداني بقطاعاته المختلفة الذي ذاق الأمرين بسبب موقف الأمارات الداعم للميليشيا وجناحها السياسي.

وعلى ذات المسار ترى الكتلة الديمقراطية أن التدخل الدولي أسهم في اندلاع الحرب بتدخلات غير حميدة ، وفي نفس الوقت ثمنت الكتلة جهود بعض الدول في إنهاء الحرب ورأت أنها إيجابية مثل السعودية ومصر والولايات المتحدة.

ولفتت الكتلة النظر إلى أمر غاية في الأهمية ربما لم يجد الإهتمام الكافي من القوى السياسية والمجتمعية عموماً ، وهو قضية فك الارتباط ما بين ميليشيا الدعم السريع والمجتمعات المحلية التي تحاول الميليشيا تجييرها لصالحها واستخدامها حاضنة لمشروعها السياسي الذي يهدف إلى تكوين حكومة موازية ، وهي آخر ورقة في يد الميليشيا تعتقد أنها يمكن أن تمثل لها مخرجاً من المأزق والحالة الحرجة التي تعيشها الميليشيا عسكرياً وسياسياََ ومجتمعياََ والتي هي أشبه بحالة الاحتضار.

هذه المخرجات وغيرها برأيي تصلح لأن تكون نواة لمشروع توافق وطني جديد يستقطب إليه كل القوى الوطنية المصطفة في الصف الوطني الحالي المؤيدة للقيادة العليا للبلاد السيادية والعسكرية والسياسية في حربها ضد ميليشيا الدعم السريع الإرهابية.

التحدي الراهن والماثل أمام أعين الجميع هو تحدي وجودي ومجابهته تقتضي تشكيل تحالف وطني يركل جانباََ كل الخلافات البينية ويضع عنه إصر الخصومات والثأرات القديمة التي كانت سبباََ في التصدعات والاضطرابات التي أضرت بالبلاد والعباد.

مطلوب من القوى السياسية الوطنية اليوم أن تتحلى بالشجاعة والعزيمة القوية والإرادة الحقيقية لتتخذ قرارها بكل مسؤولية وتضع أيديها فوق أيدي بعضها البعض لتجتاز بالسودان أحلك فتراته التاريخية وتخرجه من الظلمات إلى النور، وتأخذ بيده نحو التعافي التام من أسقام الماضي، وبناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة.