✍ يوسف عبدالمنان : خارج النص دروس من أم صميمة

سقطت أم صميمة صباح أمس تحت أيدي الجنجويد، لكنها عادت ظهرًا إلى أحضان الوطن بعد معركة استبسل فيها فرسان القوات المسلحة بمختلف تكويناتهم. كانت الابتسامة ممزوجة بالحزن والغضب جراء سقوط منطقة تمثّل عمقًا استراتيجيًا لغرب وشمال كردفان.
لأن أم صميمة رمزية مهمة جدًا في كل السودان، فهي مقر نظارة البديرية، وبها محكمة البديرية ونحاس هذه القبيلة الكبيرة التي تعرضت لاستهداف من قبل الجنجويد منذ عهد مولانا أحمد هارون في كردفان، حين طردهم رغم رفض البشير لقرار هارون، الذي كان بينه وبين هؤلاء القوم خصومة وثأر قديم.
وما إن تتعرض كردفان لمحنة مثل ما حدث يوم السبت بقرى شق النوم، إلا ويردد الناس في مجالس عزائهم وقد غربت شمس أفراحهم: «حليلك يا مولانا».
عادت أم صميمة التي هاجمتها المليشيا بآلاف الجنود والمرتزقة، على ظهور المجنزرات والمصفحات الإماراتية والطيران المسيّر، لكن إرادة المقاتلين وبسالة أبناء السودان دحرت العدوان، وأشرقت شمس النصر قبل مغيب شمس الأحد المبارك.
لكن معركة أم صميمة لم تنتهِ بعد، وربما يعاود الجنجويد الهجوم اليوم أو غدًا، بعد أن وضع عبد الرحيم دقلو الأبيض كهدف تالٍ بعد الفاشر، لإعادة الروح لقواته وتهديد الخرطوم والنيل الأبيض والشمالية من جديد.
وفي كل يوم يحصل على سلاح جديد ودعم غير محدود. وقد نجحت المخابرات الأجنبية في زرع الفتنة وسط القوى الحاكمة التي تقاتل معًا منذ اندلاع الحرب، واتسعت قاعدة البرهان الشعبية كرجل دولة استطاع قهر التمرد وجمع أكبر قوى اجتماعية في البلاد خلف القوات المسلحة.
لكن فتنة السلطة أطلت برأسها، وانشغل الناس بأزمة كامل إدريس ومن يأتي وزيرًا ومن يذهب، وتآكلت الثقة بين البرهان والشركاء بسبب أزمة مصنوعة، مثلما تآكلت ثقة كثير من الإسلاميين في البرهان، وخاب أمل الاتحاديين رغم الجهود المضنية والمخلصة للشاب وافر العطاء علاء الدين المستشار.
تأثر عطاء المقاتلين في الميدان بهذه التصدعات التي صنعتها المخابرات العالمية، مما دفع المتحدث باسم القوات المشتركة في بيانه الصادر عصر أمس بمناسبة استرداد منطقة أم صميمة إلى دعوة الجميع للاصطفاف خلف القوات المقاتلة ونبذ الخلافات حتى يتحقق النصر النهائي.
وهي دعوة مخلصة، ربما لم يعِرها البعض انتباهًا، ولا يقف عندها إلا من قلبه معلق بتراب الوطن، لا ببريق السلطة. إن دعوة الناطق باسم القوات المشتركة تمثل ضمير المقاتلين المتوجعين من آثار الخلاف، وليت القادة الكبار أصغوا لصوت العقلاء من القادة الصغار سنًا والمخضرمين وعيًا وإدراكًا لتحديات الراهن.
وليت الدكتور كامل إدريس يطوي ملف تكوين الحكومة اليوم قبل الغد. وإذا كانت القوى التي تحرّض على انتقاص نصيب الحركات المسلحة في السلطة متمرسة في مواقفها ولا تزال طامعة في المعادن والرعاية الاجتماعية، فإن القادة جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي يمكنهما التنازل عن تلك الوزارات من أجل الوطن، لا من أجل البرهان.
فالقائد الحقيقي هو من يقدّم مصلحة البلاد على مصلحة حزبه. وسيكسب جبريل ومناوي ولن يخسرا شيئًا لو تركا كل السلطة في الفترة المتبقية من الانتقال، وجعلا رهانهم على الجماهير وهزيمة الجنجويد، لا في أم صميمة والخوي فحسب، بل في خور طعان ورهيد البردي والضعين والمجلد والدبيبات.