”أفق الحدث”.. رحلة سودانية تعانق أسئلة الزمن في مهرجان المتوسط

في أفقٍ تتقاطع فيه الأسئلة مع الصمت، يحلّق فيلم "أفق الحدث" للمخرج السوداني د. مصطفى سيد مبارك، مشاركًا في مهرجان دول البحر الأبيض المتوسط، كأنه رسالة بصرية تخرج من قلب الخرطوم لتستجوب العالم بأسره : ماذا فعلت بنا التكنولوجيا؟ وهل ما نعيشه زمن حقيقي أم مجرد ظلال على شاشة صغيرة؟
الفيلم ليس مجرد حكاية تُروى بالكاميرا، بل تجربة تأملية تحاول أن تفكك أسرار العلاقة بين الإنسان وزمنه، بين العين وما تلتقطه الشاشة، بين العمر وهو يتسرب كالماء بين أصابع التطبيقات.
في أسلوب يزاوج بين الرمزية ودقة الواقعية، يزرع مصطفى مبارك سؤالًا حارقًا في ذهن المشاهد:
هل نعيش حياتنا فعلًا، أم نحن أسرى وهمٍ رقميّ يوهمنا بالامتلاء بينما نحن نذبل؟
على الصعيد البصري، يقدّم الفيلم إيقاعًا مشدودا بالقلق، كل مشهد فيه كأنه صدى لزمن مكسور، وكل لقطة تبدو كنافذة تفضح هشاشة الإنسان أمام سرعة الضوء.
وفي قلب هذا البناء الفني تتألق الموهبة الشابة زيتونة، التي تؤدي الشخصية الرئيسية بعُمق حسيّ يلامس العصب. تجسّد امرأة تتأرجح بين رغبةٍ جارفة في الانعتاق من قبضة العالم الافتراضي، وخوفٍ من مواجهة خواء العالم الواقعي. حضورها لا يملأ الشاشة فحسب، بل يفتح في روح المتلقي جرحًا شفافًا، يجعل التجربة أقرب إلى اعتراف إنساني مؤلم.
ترشيح "أفق الحدث" إلى مهرجان المتوسط لا يبدو مجرد محطة في مسيرة مخرج، بل هو إشارة إلى ميلاد تيار سينمائي سوداني جديد، يكتب أسئلته المحلية بلغة كونية، ويعيد صياغة العلاقة بين الفن والذاكرة، بين الصورة والزمن.
وإذ يستعد جمهور المهرجان لمشاهدة هذا العمل، يظل "أفق الحدث" أشبه بمرآة مفتوحة: لا تَعِدُ بإجابات، بل تترك المتلقي أمام سؤالٍ لا يهدأ…
هل نحن نعيش، أم أننا نُستهلك في صمت الشاشة؟