رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ إعادة بناء الإنسان السوداني

من خلال الحديث عبر الهاتف أو متابعة وسائل التواصل الإجتماعي لاحظت أن هناك تشوهات حدثت لأهل السودان بعد الحرب وتغير في نمط بعض الشخصيات التي أثرت الحرب عليهم وهو أمر طبيعي يحدث

للإنسان لأن الحرب في السودان لم تكن مجرد نزاعٍ على السلطة أو صراع بين أطراف مسلحة بل كانت زلزالًا عنيفاً ضرب أعماق الإنسان السوداني وترك فيه ندوبا عميقة لا تُرى بالعين المجردة

فقد شوهت الحرب الشخصية السودانية ومزّقت نسيجها القيمي والإجتماعي وأدخلت كثيرين في دوامات من الخوف والعنف والتبلد واللامبالاة

أفرزت الحرب واقعاً نفسياً وإجتماعياً هشا حيث تبدلت المفاهيم وتراجعت القيم وظهرت سلوكيات دخيلة على ثقافتنا السودانية المتسامحة أصبح مشهد النزوح والدمار مألوفاً ومشهد الطفولة المكسورة طبيعياً وحالة التبلد تجاه المعاناة اليومية أمرا معتاداً

إن تشويه الحرب للإنسان السوداني لا يقف عند حدود الدمار المادي بل يتعداه إلى تحطيم داخلي للوعي والروح الأمر الذي يستدعي وقفة وطنية جادة لإعادة الاعتبار للإنسان وإعادة بناء ما تهدم داخله من قيم وإنتماء وأمل

في ظل ما مرّ به السودان من أزمات سياسية وإقتصادية وإجتماعية متراكمة أصبح من الواضح أن إعادة الإعمار لا تتعلق فقط بالبنية التحتية أو المؤسسات بل تبدأ من الإنسان ذاته ؛ من قيمه ووعيه وسلوكه ومفاهيمه فالسودان لن ينهض ما لم يُعاد تشكيل الإنسان السوداني من الداخل ليكون فاعلًا لا مفعولًا به مبادرا لا منتظراً منتميا بقناعة لا بخوف

ما المقصود بإعادة بناء الإنسان من الداخل؟

هو عملية شاملة تتناول :

إحياء القيم كالصبر والإخلاص والانتماء وقبول الآخر

تصحيح المفاهيم : عبر التعليم والإعلام والخطاب الديني والثقافي

معالجة آثار الحرب والصراعات : من خلال برامج الدعم النفسي والمجتمعي

غرس روح المبادرة والمسؤولية : بدلاً من الاتكالية واللامبالاة

لماذا أصبح هذا الأمر ضرورة؟

لأن كثيراً من التشوهات الإجتماعية الحالية تعود إلى عقود من التهميش، والتضليل والاستبداد

لأن التنمية لا تُبنى بالعقول المكسورة والنفوس المهزومة

لأن الحروب زرعت الكراهية والإنقسام وأضعفت الثقة بين الناس

كيف نبدأ؟

إصلاح التعليم : ليكون محوره الإنسان السوداني وهويته الوطنية الجامعة

بناء إعلام هادف يوجه الناس نحو التفكير والنقاش لا التهييج والإنقسام

دعم الفن والثقافة والمسرح كوسائل فاعلة في التأثير الوجداني والسلوكي

إطلاق حوارات وطنية مجتمعية تشمل الشباب المرأة النازحين وكل مكونات الشعب

إعادة بناء الإنسان السوداني من الداخل ليست رفاهية فكرية بل هي شرط للبقاء وركيزة للإستقرار ومدخل حقيقي للتنمية المستدامة فالإنسان هو البداية وهو النهاية وكل ما دونه تفاصيل