✍ د. عبدالسلام محمد خير : تفاصيل الشهادة ؛ عين في الطب وأخرى ذكاء إصطناعي

في بث مباشر أطلت القاعة مستبشرة،بينما الأمور عصيبة مازالت،عجل الله بالسلام..إنه يوم النتائج!..المذيع يبدو كثائر يتصدر مظاهرة..تصورناه يعلن انتصار البلاد في معركة أخرى فاصلة هي الامتحانات، ويقرر فورا نهاية المؤتمر الصحفي فالتفاصيل تعهدت بنشرها وسائل التقنية الحديثة لندرك نصرا جديدا على الأبواب..فلقد كان غضب( بارا) يشتعل..ووعد الفاشر يتجدد.
جو القاعة اشاع الإحساس بانه لا وقت الآن إلا للإنتصارات ونتائج الامتحانات كلاهما يلقي بمسؤوليات ما بعد الحرب بالجملة على العقول والأكتاف،حيث المحك..تصورت ذلك..فلقد كنت مازلت مبهورا بمشهد سودانيين بالقاهرة يتزاحمون على قطار العودة في فرح خرافي،تعززه نواياهم وهم عائدون لوطنهم..وأنا منبهر بمشهد القطار وهو يتأهب للإنطلاق لوطن إشتاق له أهله وإدخروا له النوايا جزلة، تذكرت مقولة لبروفسورعلى المك،رحمه الله،تقول(القطار وهو ينطلق ليس قطارا..إنه نية المسافر)!..عجيب!..فكأنها قيلت في هذا القطار تحديدا!..أية(نية)هي تلك التى كانت تعتمل في صدور هذه الأنفس النقية وهي تعود لوطنها بعد عزلة وتشريد؟..تلقاء المشهدين،القاعة والقطار،داهمني إحساس باننا مقبلون على(روح مختلفة)..إنتهت الحرب أم تباطأت بأفعال هؤلاء أو نوايا أولئك سيتشكل السودان آمنا،هاجسه(الإدارة أولا)و(سلاما معززا)بإذن الله.
0..كل شيء تقني الآن..و(الإدارة أولا):
كيف تدار البلاد في هذا التزاحم نحو أولويات ما هو قادم بعد حرب مخربة؟..من تزاحم القطار متجها للسودان إلى قاعة إعلان النتائج فمشهد التقنية الزاحفة فيما ينفع الناس،إلى وعد(بارا)الذى سريعا ما أصبح حقيقة،إلى حلم الفاشر آمنة، وتحليق مطار الخرطوم الدولي، رد الله غربته.. ظلت التفاصيل تتلاحق..والدراسات كذلك لتقول(الإدارة أولا)..وعمادها التقنية الزاحفة هذه في الأيادي-ناهيك عن المشافي والمصارف والإستراتيجيات.
المؤتمر الصحفي إنفض سريعا..فالنتائج إنتشرت عبر التقنية..(كل شيء تقني)بدء من إعداد النتائج وإعلانها إلى الإنشغال بنسبة الطب غاية الآمال، إلى الإدارة التقنية التي قيل عنها(إنها أولا) في سودان سيكون مختلفا فعلا بتقنية الإدارة التي هي رأس الرمح(المشترك) في تحقيق ما ترتجيه البلاد..فالإدارة تقنية والطب تقنية والهندسة كذلك..رأس الرمح في كل ذلك مشترك وهو تغلغل عزيمة(الإحساس بالنصر).. بفضل روح الإنتصار وتوفر التقانة الكل أصبح على علم بالخبر اليقين(الطب والتقنية)يتصدران،والمشهد مبشر.
0..كلية الذكاء الإصطناعي..أولية:
دعونا نعرف،حتى لا يتجاهلنا العالم.. طالعنا خبرا في هذه الآونة بأن إحدى الجامعات تبنت فكرة إنشاء كلية للذكاء الإصطناعي!..نعم!..والمسألة عالميا أصبحت(عادي) في إطار التطور الرقمي المتلاحق..النظر يتجه لتعميم الفكرة عالميا..يصرح خبراء(إن التحدي الحقيقي يكمن في أن تتحول الجامعة كلها إلى منظومة إبتكارية شاملة لتخريج الطلاب لسوق العمل ،وتعمل كمنصة لصياغة المستقبل وإنتاج المعرفة وتحويلها إلى طاقة إقتصادية وإجتماعية).. يقولون إن الابتكار ليس فقط جهازا متطورا ولا مبنى حديثا، بل هو ثقافة شاملة تتخلل كل تفاصيل العمل الجامعي..الخلاصة(الجامعة لا يمكنها ذلك دون إستثمار في التقنية،فالذكاء الإصطناعي يدع كل طالب يعيش تجربة فريدة عبر آفاق هائلة في تحليل البيانات الضخمة وتوليد الفرضيات الجيدة، الجديدة..كم من دراسات متداولة الآن..قرأت للدكتورعبدالحليم موسي حول (الجامعات والإبتكار في عصر الذكاء الإصطناعي)..الدكتور محمد عبدالرحيم تعرض لتجارب دول إستطاعت ان تتجاوز تحديات كبيرة بفضل تبنيها التحول الرقمي..خلاصة التجارب(لا فرصة لدولة لتنهض ما لم تجعل من التحول الرقمي ركيزة أساسية لمسيرتها)..إنه ليس مشروعا رقميا فحسب بل هو مشروع وطني شامل يعيد صياغة العلاقات بين الدولة والمجتمع والإقتصاد..إنجازه مسؤولية الحكومة والقطاع الخاص والمواطن،معا.. الصين طرحت مشروعها(نحو أمة متعلمة بحلول 2035) فوجهت 40 بالمائة من طلاب الجامعات للتخصصات الهندسية والتقنية،ومنها هندسة الذكاء الإصطناعي..الغاية(ربط مخرجات التعليم بإحتياجات سوق العمل)..الصينيون من قالوا(دع ألف زهرة تتفتح)..يتعاملون بحكمة والعالم يتغير بعنف.
0..التداوي بالقيم..حكمة تقنية:
ليس تشددا،التقنية بلا حكمة لا تجبر الخاطر..ذات يوم مشهود راينا كيف ان الصحف السودانية(دخلت النت)سألت بروفسور عبدالله الطيب عن مصير مؤلفاته في عصر(الشبكة)!..تأمل..ثم قال:طيب،و(مالو)؟!..نكتب ونودع الشبكة!..ثم أضاف(مفيدة لكنها تحتاج إلى روح)..مرت الأيام فتأكد سر هذه(الروح)عبر الممارسة..فالأمر ليس مجرد آلة نشطة تنجز الاعمال وحدها وبكفاءة،المهم أن لا يكون ذلك على حساب مشاعر أفراد يجرى تصنيهم كضحايا، ولا أن يكون مساسا بقيم مجتمع نشأ على الفطرة السليمة..لسنا وحدنا في هذا المعترك البشري الجديد، فلقد سارعت البشرية بعقد قران بين التكنولوجيا والقيم..كل العلوم نزعت للتعويل على جرعة القيم السائدة في المجتمع،مراعاة لإنسانية الإنسان-كيلا تتلاشى عبر الزمن..إتجهت المهن للإحتماء بالقيم..الطب يمارس بموجب(قسم)،نظريات الإدارة الحديثة،الجودة،هندسة العمليات الإدارية(هندرة)،تصدرتها باقة من القيم كأساس للأداء في عصر(تقنية الإدارة)..منها(إفعل ما تقول)،(إرتكاب الأخطاء على الورق)- بالتعويل على المهارات والتخطيط،(العمل بشغف)!..أليست مثل هذه القيم كافية للتعافي الإداري المنشود؟..ويلاحظ في ذات الإتجاه،ميول المؤسسات لإتخاذ(ميثاق عمل)يرتضيه العاملون ويشكل أساسا لصون الأداء وتجنب تهديدات إستغناء التقانة عن البشر- علة العلل.
0..والآن.. محو(الأمية التقنية)!:
إنهم مشغولون عنك!..حاسوب كامل طرف الجيب إسمه الجوال!..ومع ذلك،ومع ذلك لا كلمة حميمة تسري بين الناس وتشيع الطمأنينة وتعين على إعادة الإعمار بدء بإعمار النفوس بعد حرب..كلمة تجبر الخاطر،تشرح الصدر، وتقارب بين الأنفس، هل هي معضلة؟!.. كم من توسلات من قبيل(يا ريت)!..وما أسهلها!..ما أبركها..تقنيا بلغنا عصر(المواطن الصحفي)..فالكل يكتب، فكيف نكتب(صاح)؟!..إني ردا لرسالة من قبيل(فتح الله عليك) لا أحتمل الرد بمجرد(ملصق)!..(الملصقات)لا تخلو من مبرر،لكن(الركاكة) تمس(تفاصيلنا)الأثيرة!..وكلاهما أفضل من(عدم الرد)!..والظروف مقدرة..التقنية تعلمنا(البحبحة)..لعلها من(سودانيتنا) التي(تسع الجميع)وتعد بالجديد..في البلاد تجربة مدهشة في(بحبحة التواصل)..فأيام(تعليم الكبار)و(محو الأمية)بادر خبراء بإبتكار منهج(كل واحد يعلم واحد)!..هل هي صعبة الآن إلكترونيا؟!..الإقتراب من(الآخر) كان تقنية لتواصل منتج يوما،زمن الذكاء الإصطناعي بها أولى.
0..وظهر سالما من حرب(عديل كدا)!:
وهو خارج من حرب أول القول عنده إنه ظل مشغولا بالسودان،وإنه كتب كتابا ..هكذا تجلى بروفسور عبداللطيف البوني حضورا من(قولة تيت)على منصة(ناس)..أفاض فيما يمهد لوثيقة الخروج من الحرب(نحو سودان متماسك)...تجلت إفاداته إنسانيا وتاريخيا وفلسفيا، ودراميا أيضا!..ويكرر(إن الإنتماء للوطن يتقوى بالسنين وبالتجارب)..السودان(دولة لها علم..كنا ماضين في طريق أمة ناضجة،فداهمتنا حرب ..الحرب فرصة لنتقوى بالإنتماء للوطن..شعرنا حين أبعدنا بأننا كنا نعيش في وطن بالمجان،طالعين نازلين بدون شهادة إقامة)!..الحوار معه(يشهيك)..يضرب مثلا بالعلاقة بين الشعبين السوداني والمصري(إكتشفنا إنها ستصبح أفضل بازاحة النظرة السلبية التي غرسها الإستعمار ومضى).. كنت خشيت على المذيعة من إتهام بالمبالغة وهي تقدمه قبل أن يظهر على الشاشة بطلته الأليفة- تلك..إتضح أنه فعلا كما(فقطته)-لا يشبه إلا نفسه وأفكاره..ولأنه- كما ورد،فإني سعيت إليه يوما ليقدم كتابي(فرص العصر)وقد فعل وقرن توقيعه بإسم(اللعوتة)-قريته الآمنة،ملهمة كتاباته..وحين خصص الدكتور عبدالمطلب الفحل،عليه رحمة الله(دكان ود البصير)لعرض الكتاب قال مفاخرا(الكتاب عن التقنية لكن أجمل ما فيه(اللعوتة)!..تذكرت ذلك فدخلتني(شفقة)عليها حين هجمت الحرب،لكنها صمدت بفراسة أهلها وجاهزية الجيش ويقين أهل الصلاح..ظهور إبنها البار البروف كان دليلا على النجاة..لعل السر ظل كامنا فى البركات التي تحراها ود الفحل- المبارك.
0..ناشر من العصر الورقي.. مفاجأة!:
وأنا مهموم بمصير الصحافة الورقية،تابعت حلقة في غاية التشويق من برنامج(صاحبة الجلالة)بقناة(الزرقاء)تقديم الاستاذ صلاح عمر الشيخ..عدة أسباب ابقتني اتابع حلقة هي الاولى ثم اطلب من القناة نسخة منها فما تاخرت وهذا ما يجعل اول الأسباب تميز هذه القناة بالفورية واصطفاء الضيوف..ثاني الأسباب ان الحلقة تجربة من العصر الورقي المجيد تثير كوامن(الإنجاز في صمت)،بينما(الظروف عصيبة)ك- ليتنا نفعل ما يثير الكوامن ويدعو للفخر..سبب اخر لترك(الريموت) جانبا إنها حلقة تذكرنا بذخيرة من التوثيق المحكم لتاريخ الصحافة تحتضنه الاضابير..ان فرصة سنحت للسؤال عن مصير هذا المرجع فمقدم(صاحبة الجلالة)هو الأمين العام لاتحاد الصجفيين..البرنامج كأنه ذات المرجع،يفيض من قبيل(ما خفي أفيد)..فإنها الصحافة السودانية،الورقية..هناك وعد بحلقة أخرى(نوعية) لتكتمل الصورة عن صحافة بلا مثيل- ورقية صامدة في وجه أخرى رقمية عشمها في ذات اللقب(صاحبة الجلالة)!.