✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ لازالت نفوسنا خَرِبَة
كلما اتصفح مواقع التواصل وماينشر فيها من مشاهد او احاديث اقول ان الحرب لم تغير من نفوسنا فذات الحديث ماقبل الحرب ونفس مايحدث من شجع واستغلال حاجات الناس الضرورية ومايتعلق بصحه البشر لازالت نفوسنا خَرِبَة، وإن تغيّرت الوجوه وتبدّلت الأزمنة. فما نراه من حولنا ليس أزمة موارد أو فقر إمكانات، بل هو في جوهره فساد نفوس وضمائر غابت عنها مخافة الله، وغُيّب فيها الإحساس بالوطن والإنسان.
لقد تحوّلنا، شيئاً فشيئاً، إلى مجتمع يقدّس المصلحة على القيم، ويُبرّر الباطل إذا خدم الهوى، ويُهاجم الصادق لأنه يفضح العفن المستتر. فكم من وطنٍ انهار، لا لأنّ أعداءه كانوا أقوياء، بل لأنّ أهله باعوه بأيديهم يوم خربت نفوسهم من الداخل.
في السودان، لا نحتاج اليوم إلى بناء حجارة قبل أن نبني الضمائر. فإعمار النفوس هو أصل الإعمار الحقيقي. بلدنا لا تنقصه الخيرات، ولكن تنقصه النفوس النظيفة التي تحمل همّ الجماعة قبل الذات، والضمائر التي ترى في الوطن أمانة لا غنيمة.
إن الخراب الحقيقي لا يُقاس بما تهدّم من بيوت، بل بما تهدّم من قيم وعدل ورحمة في القلوب. فحين تصبح الأنانية فضيلة، والصدق ضعفاً، والسرقة شطارة، عندها نعلم أننا نعيش في أطلال إنسانية، لا في وطن حيّ.
ولعل أول طريق الإصلاح يبدأ من الداخل، من كل فردٍ يعترف أنّه جزء من الخلل. حين نراجع أنفسنا بصدق، ونُطهّرها من الغش والحقد والغرور، حينها فقط يمكن أن ينهض السودان من ركامه، لأن النفوس إذا صلحت صلح الوطن، وإذا خربت خرب كل شيء.
لن نُعيد مجدنا ما لم نُصلح ما بداخلنا. فالوطن لا يقوم على الخرائط والجغرافيا، بل على النفوس العامرة بالإيمان والصدق والأمل.
ولن ينهض السودان إلا حين نطهر قلوبنا من الخراب، ونزرع فيها الرحمة والعدل من جديد. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل


