✍ أحلام محمد الفكي : في يومه العالمي ؛ المعلم السوداني يقاتل الظروف ليصنع الأمل

في كل عام، وعندما تشرق شمس الخامس من أكتوبر، لا نحتفل بيوم عابر، بل نقف إجلالاً أمام قائد مسيرة الإنسانية، وصانع العقول، ومهندس المستقبل؛ نقف أمام المعلم. هذا اليوم العالمي، الذي أضاءه الشاعر قديمًا بقوله: "قم للمعلم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا"، هو محطة إلزامية لإعادة تقييم لا لشخص المعلم، بل لمكانته التي يجب أن تليق بعظمة رسالته.
المعلمون لا يقومون بالتدريس فقط، بل يرسخون ويشعلون ويرفعون. إنهم، وبكل شجاعة، يخوضون معركة الوعي والجهل، حاملين الطباشير كترياقٍ ضد الظلام، مصداقًا للمقولة: "المعلمون قادرون على تغيير حياة الناس من خلال المزيج الصحيح من الطباشير والتحديات". ووراء كل طالب واثق، هناك معلم ناضل بهدوء ليجعله يرى ويُسمع ويُؤمن بنفسه.
وعلى امتداد خريطة وطننا، وفي كل زاوية من زوايا السودان، يقف اخواننا المعلمون والمعلمات يؤدون الرسالة بكل أمانة وإخلاص، يصارعون الظروف القاسية لخلق جيل يقود الأمة إلى الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية. إنهم النجوم المضيئة التي تُضيء دروب الأجيال نحو مستقبل أفضل، لكن أي وضع هذا الذي يليق بصانع الحضارات وباني العقول؟
الحقيقة المرة والصارخة أن أصواتهم معلّقة، ورواتبهم إن لم تكن كذلك، فلا تكفي لإعاشة أسبوع ناهيك عن شهر كامل. إنه حق مهضوم يتجسد بوضوح في ميزانيات الدول؛ حيث غالبًا ما تكون ميزانية التعليم هي الأقل، والأكثر تهميشًا. إن هذا الوضع لا يُجبر المعلم على التقشف فحسب، بل يدفعه دفعًا إلى اللجوء لطرق أخرى لزيادة دخله، في انتقاص غير مباشر من قيمة الرسالة التي يحملها.
إن تقدير المعلم ليس تفضلاً أو منحة، بل هو واجب وطني وضرورة قصوى تقع على عاتق الدولة والمجتمع. عندما تشير الدراسات إلى دول مثل الصين وماليزيا وتايوان، التي يعتلي فيها المدرسون مكانة اجتماعية عالية واحترامًا كبيرًا، فإنها لا تقدم أمثلة عشوائية، بل تقدم نموذجًا يحتذى به لنهضة حقيقية.
إن التدريس ليس مجرد مهنة، بل هو فن إضاءة الطريق حيث يمكن للآخرين أن يتعلموا المشي بمفردهم. ولن يتمكن المعلم من أداء هذا الفن ببراعة إذا كان همه الأساسي هو تأمين قوت يومه. يجب أن يكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمعلم حصنًا منيعًا يحميه من أي ضغوط، ليفرغ عقله وقلبه لرسالته النبيلة.
يا وطننا الأكبر، "القومة ليك يا وطني" تبدأ من تقدير من يبنون أجيال المستقبل. حبي لك كثير، وهذا الحب يدعونا للمطالبة بـ وضع يليق بمن يفنون أعمارهم في خدمة العلم.
في الختام، شكراً للمعلمين الذين كرسوا أغلب أوقاتهم لينقلوا طلابهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم والمعرفة. شكراً لمن انحنت ظهورهم لطول وقفتهم ليعلمونا، وشكراً لمن ضعفت أبصارهم في النظر لتصحيح أخطائنا.
لكم، أيها المعلمون والمعلمات، خالص الود والاحترام والتقدير والثناء.
كل عام وأنتم بألف خير، يا مصابيح الدرب ونبض الأمة.