✍ أحلام محمد الفكي : قلم بلاحدود ؛ إنسانية وسط الحروب

في زمنٍ يعلو فيه دوي المدافع على صوت الحياة، وتغمر فيه صور الدمار وجوه الأبرياء، يبقى الإعلام شمعة تُضيء عتمة الحصار، ويدًا خفية تُمدّ خيوط الأمل للمحاصرين والمنكوبين. ليس الإعلام مجرد ناقلٍ للخبر، بل هو ضميرٌ حيّ وصوتٌ صارخ في وجه الألم، يوقظ العالم من سباته ويدفعه نحو العطاء.
حين تتشظى المدن تحت وطأة الحرب، وتتراجع الإنسانية أمام صخب البنادق، يصبح الإعلام سلاحًا أبيض لا يُسفك به الدم، بل يُسعف به الجريح هو العين التي تكشف حجم المعاناة وتفضح وجع العزلة خلف الحصار وهو النداء الذي يُشعل ضمير العالم ويدفعه إلى مدّ يد المساعدة وهو المرآة التي تعكس الانتهاكات لتبقى شاهدة على الظلم مهما حاولت آلة الحرب إسكات الأنين.
الإمدادات الإنسانية ليست مجرد أرقام تُذكر في نشرات الأخبار؛ بل هي حياة تُزرع في أرضٍ يابسة باليأس رغيف الخبز وجرعة الماء شريان للبقاء في وجه الجوع والعطش، والمستشفى الميداني دواءٌ للجرحى وأمل للمرضى والمأوى البسيط سقف يحمي المشرّد من برد الليل وقسوة الريح. خلف كل صندوق دواء، وكل شاحنة طعام، وكل خيمة تُنصب هناك قصص أمل تبدأ بصرخة إعلامية وصلت إلى آذان العالم.
ولطالما أثبتت الأقلام الحرة أنها تصنع فرقًا في أشد اللحظات قسوة. كم من مأساة ظلت منسية حتى اقترب منها قلمٌ جريء وعدسة مخلصة؟
وكم من حملة إعلامية هزّت الضمائر وأطلقت موجات الدعم إلى أماكن ما كان ليصلها شيء لولا صوت الإعلام؟
لقد كان الصحفيون الميدانيون، الذين خاطروا بأرواحهم ليكونوا شهودًا على المأساة، هم الجسر الذي عبرت من خلاله قوافل الإغاثة إلى الضحايا.
إن القلم الإعلامي ليس حبرًا على ورق بل نبض إنساني قادر على إنقاذ الأرواح. وفي زمن الحصار والحرب لا تقلّ قوة الكلمة عن قوة الدواء أو رغيف الخبز. فلنمدّ أقلامنا جسورًا من نور، ولنجعلها منارات ترشد القوافل الإنسانية إلى حيث يئنّ الضعفاء وينتظر الجائعون جرعة أمل. إنها دعوة لكل صحفي وناشط وصاحب ضمير أن يجعلوا الكلمة سهمًا في صدر الظلم، وصوتًا للحق، وصرخة تُنقذ ما تبقى من إنسانيتنا. فلنكتب معًا… علّ الحروف تُنقذ روحًا وتُحيي أمة.