✍ آدم تبن : حكاية من حلتنا ؛ تعيش كتير تشوف كتير

ومن الواقع الذى عايشنه أثناء فترة حرب الخامس عشر من أبريل تحضرنى مقولة لطالما رددناها كثيرا (تعيش كتير تشوف كتير) وهى بلغتنا الدارجة حيث تبدل الثاء بالتاء تعنى أنك سترى عجبا وما لا تتوقع وسنواتها التى عشنا أيامها لم تكن سنوات عادية وليس كمثلها من السنوات السابقة واللاحقة ، ففقد أدخلت البلاد فى نفق مظلم لم يكن أحد منا يتوقعه حتى أولئك الذين خططوا لها فى ظنى أنهم لم يتوقعوها بهذا السوء الذى أظهرته آثارها إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا وأمنيا، فلم تعد البلد كما كانت تغيرت كل أحوالها وأصبح إنسانها بين لاجئ ومشرد لايستقر به حال ، فهو فى حالة خوف وقلق وهلع دائم يلازمه فى نهاره وليله، فكثير من الناس لم يغمض لهم جفن ليلا خوفا مما سيأتى، فلا أحد يتوقع ما سيحل به بعد دقائق ناهيك عن ساعات أو يوما أو بعض يوم ، ورغما عن تلك الظروف والحالة التى مهما توصفها لمن لم يعيشها ستجد نفسك تحتاج الى روايات أكثر بمعنى أن الأحداث كانت غير مألوفه ولم تخطر على بال ، صحيح إنها حرب بين قوات الشعب المسلحة السودانية ومليشيا تمردت وحملت السلاح ضد الدولة ، ولم يكن المواطن طرفا فى النزاع الذى دفع ثمنه غاليا بأفعال المليشيا التى قتلت النفس وهتكت العرض ونهبت الأموال وخربت المؤسسات وأوقفت حال البلد ولم يعد للناس شيئا لم يخسروه فقد أرجعتهم المليشيا سنوات طويلة للوراء.
وأغلب الناس عاشت واقع الحرب فى أماكن إشتدت فيها نيرانها ورأت مالم يسمعوا به من قبل من هول المصائب التى تمر بهم يفقد بعضهم صوابه ويصاب ب(الجنون) ، لكنه بعد ذلك يتعرض للإزلال والقتل بتهم لايد له فيها ، ولم تسلم النساء الكبار والفتيات من العنف اللغوى والجسدى و(الإسترقاء) حيث عادوا بنا الى أزمان سحيقة عندما كان الناس يستعبدون الناس ويجعلوهم (رقيق) يعرضونهم للبيع فى الأسواق بأموال بخسة لاتسمن ولاتغنى من جوع ، فيا لها من مصيبة أحلت بالمرأة فى بلادنا السودان ، وبالتأكيد هناك مئات الحكايات الحزينة التى يمكن أن يرويها من شاهد بأم أعينه، ومحدثى يروى لى ما حدث فى أحد المناطق التى داهمتها المليشيا بحجة أن أهلها يتبعون للجيش وبدأت فى القتل والنهب والسلب والحرق للممتلكات والمنازل ، وبعدها منعت المواطنين من الدخول إلى المنطقة لستر الموتى الذين قتلتهم المليشيا بسلاحها، حيث أمضت الجثث وقتا طويلا وهى بالعراء ، وبعدها سمح لأهل المناطق القريبة بالدخول لموارة جثمانين الموتى الذين روت دمائهم أرض منطقتهم لتكون شاهدة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان .
وهكذا كانت تلك الأيام والأسابيع من يوميات الحرب تتربع خلالها أسوأ الإحتمالات غير المتوقعة ، فكل ما يخطر ببالك يمكن أن يحدث لك أو لغيرك فكن على إستعداد إن كنت داخل منزلك أو خارجه ، أو فى طريقك الى العمل أو فى مكان عملك ، ممكن تفقد روحك أو مالك أو بيتك فى أية لحظة ، فكن على إستعداد فقد أصبح النزوح هو السمة المفضلة لكل من يرغب فى مغادرة مكانه الذى يتواجد فيه فإن المليشيا لا أمان معها ، ففى البص حدثنى أحد الشباب تزوج حديثا لكنه لم يأمن شر المليشيا فغادر منطقته هربا من بطشها، قال لى أن مهنتى ميكانيكى لكننى لم أمارسها منذ نزوحى من الخرطوم ، لكن لى صديق يعمل معهم فى صيانة سياراتهم ، لكن أحد الأعطال إستعصى عليه ولم يستطيع إصلاحه ، فاجئني طالبا منى مساعدته لأنه مهدد بالتصفية إذا لم يقم بعملية الإصلاح خلال أربعة وعشرين ساعة ، قال لى قمت بإصلاح العطل سريعا، لكننى قررت أن أغادر مكانى فى نفس اليوم خوفا على نفسى وأهلى من بطشهم، وهكذا عاش ويعيش الناس فى الجحيم والبطش عندما تستبيح المليشيا مناطقهم .