السودان في أسبوع: تفاعل عالمي مع السودان.. والضمير الإنساني يصحو متأخراً
خاص : رؤية جديدة
لم تهدأ المأساة في السودان بعد، ما زالت مليشيا الجنجويد الإرهابية في غيها وإجرامها وما زالت نيرانها تحصد أرواحا جديدة، بجرائم وانتهاكات بحق المدنيين العزل في دارفور وكردفان، فهي مستمرة في تنفيذ حملات بربرية وحشية وإعدامات ميدانية وتهجير قسري على أساس إثني، جعل من الفاشر وبارا عنوانا جديدا لمعاناة القرن.
وعلى الرغم من إعلان المليشيا موافقتها الشكلية على هدنة إنسانية مقترحة من الرباعية الدولية، إلا أن التجربة أثبتت مرارا أن تلك الإعلانات لا تتجاوز الورق، فالمليشيا اعتادت التنصل من تعهداتها في كل مرة لتعود إلى نمطها الثابت في ارتكاب جرائم الإبادة والتطهير، بما يعمق الجراح ولا يجعل أي شك يتسرب إلى قرار ضرورة القضاء عليها تماما هو الأمثل لسودان معافى وآمن.
معاناة لا تنتهي..
في الأسبوع الماضي، وثقت تقارير إعلامية وحقوقية مشاهد مأساوية في الفاشر ومحيطها، حيث تحولت الأحياء المدنية إلى ساحات إعدام جماعي، ودفنت الجثث في مقابر جماعية. آلاف الأسر نزحت إلى مناطق أكثر بعدا، تاركة خلفها منازلها وأقرباءها المفقودين.
المنظمات الإنسانية حذرت من تفاقم الأوضاع الإنسانية في مناطق النزوح المكتظة، فلا مساعدات كافية عند الوصول وسط تدفق أعداد كبيرة هاربة من جحيم جرائم المليشيا الإرهابية. ومع تصاعد موجات النزوح، تتزايد شهادات الناجين عن عمليات التعذيب والقتل والإغتصاب، والإعتداءات الممنهجة ضد النساء والأطفال والشيوخ، وحرق القرى بناء على الهوية.
العدسة الدولية تتجه نحو الإمارات
مع تفاقم الجرائم، تحركت الأصوات الدبلوماسية والشعبية في عدد من العواصم، لتكشف البعثات الدبلوماسية وجموع السودانيين أمام العالم حقيقة ما يجري في السودان. فقد أدان الرئيس الكولومبي علنًا دعم الإمارات للمليشيا المتورطة في الجرائم وتعهد بإجراء تحقيق دولي يفضح دورها، بينما أبدى الرئيس التركي موقفا واضحا ضد استمرار نزيف الدم السوداني وقال لن نقف مكتوفي الأيدي.
كما ناقش البرلمان الأسترالي تقارير موثقة عن تمويل وتسليح جهات خارجية في مقدمتها الإمارات لقوات الدعم السريع، الأمر الذي أعاد تسليط الضوء على الدور الإماراتي في الحرب، وجعل صورتها تتصدع في الرأي العام العالمي، بعد سنوات من محاولات التجميل الإعلامي.
تنامي هذا التفاعل الشعبي والرسمي الدولي يعكس تحولا في الإهتمام العالمي تجاه ما يجري في السودان، إذ بدأت الدبلوماسية الدولية تتعامل مع الحرب لا كصراع داخلي، بل كجريمة ممتدة بامتدادات إقليمية واضحة.
رغم الركام.. السودان يتحرك
ورغم ثقل الجراح، يسعى السودان في الداخل إلى بناء نواة جديدة لمستقبله، حيث أُعلن هذا الأسبوع عن إنشاء ثلاث هيئات وطنية لدعم التحول الرقمي والخدمات الإلكترونية، في خطوة تعد مؤشرا على اتجاه الدولة إلى رقمنة مؤسساتها وتحديث بنيتها الإدارية، رغم التحديات الهائلة التي تفرضها الحرب.
وفي لفتة إنسانية تبعث الأمل، فاز مدير مستشفى النو، د. جمال إبراهيم، بجائزة أورورا الإنسانية لعام 2025، والتي تبلغ قيمتها مليون دولار أمريكي، من بين أكثر من 900 منافس على مستوى العالم.
ويأتي هذا الفوز تقديرا لإسهاماته المتميزة وجهوده الإنسانية في خدمة المرضى والمجتمع في ظروف بالغة التعقيد إبان الحرب، وهو إنجاز يشرّف السودان ووزارة الصحة والعاملين بها كافة، في نموذج يرمز إلى بقاء الضمير المهني والإنساني حيا في قلب الخراب.
هذا الفوز، وإن بدا بسيطا ، يعكس قدرة السودانيين على التمسك بالنور وسط الظلمة، والإصرار على البناء رغم الموت والدمار.
وطن يستعيد تاريخه وكرامته
في نهاية هذا الأسبوع، لا يُرى السودان فقط كأرضٍ تنهشها الحرب، بل كضميرٍ عالمي يُختبر أمام صمته وعجزه. بين ركام المدن وصدى الاستغاثات، ما زال هناك شعب يقاوم، لا بالسلاح وحده بل بالصبر، بالذاكرة، وبإصرارٍ على ألّا يُمحى اسمه من خريطة الإنسانية.
لقد انكشفت الوجوه التي موّلت وغطت هذه المأساة، وبدأت الحقيقة تفرض نفسها رغم التعتيم والتضليل. ومع ذلك، لا خلاص للسودان إلا بعودة الإنسان إلى مركز المعادلة.
إن ما يحدث اليوم ليس حربًا على الأرض فقط، بل حربٌ على الذاكرة، التاريخ، بل على الحق في الحياة، وعلى مستقبلٍ لم يولد بعد.
لكن السودان بتاريخه، وشعبه، ونزيفه النبيل يبرهن مرة أخرى أن الأمم لا تموت بالرصاص، بل تموت بالنسيان، وما دام فيه من يكتب وينقذ ويصر على البقاء، فلن يُنسى أبدا.


