رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار
ملخص المساء الأخباري الإثنين 2025/10/6م وفد وزارة المالية الإتحادية يبحث مع حكومة النيل الأبيض إعادة تأهيل البني التحتية وإعمار ما دمرته الحرب مندوب السودان الدائم بجنيف يُفنّدُ دوافعَ مشروع القرار البريطاني بشأن السُّودان ويستهجنُ إستخدام مظلّة حقوق الإنسان لأغراض الإبتزاز السيّاسي وممارسة الضغوط والي الخرطوم يتفقد خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والنظافة بأحياء أركويت والديوم ✍ ياسر الفادني : عاد القطار إلى قضِيبه مجدداً ✍ محجوب فضل بدري : فقد ايلا مصاب أُمَّة وزير الصناعة والتجارة تدعو منظومة الصناعات الدفاعية إلى الدخول في مجالات تطوير التصنيع الزراعي وتطوير الشراكات الإقليمية والدولية ✍ آدم تبن : حكاية من حلتنا ؛ المعلم نواره بلدنا رئيس الوزراء وأعضاء حكومة الأمل ينعون د. محمد طاهر إيلا رئيس مجلس السيادة يقدم واجب العزاء في الفقيد الدكتور محمد طاهر إيلا ✍ د. عمر كابو : ايلا ؛ محاط بالسؤدد على مثله تبكي البواكي وتندب.. مجلس السيادة ينعي الدكتور محمد طاهر إيلا

خاص : رؤية جديدة أيلا.. حين يرحل الكبار بصمت

في صباحٍ حزين امتزج فيه وجع الفقد بحنين الذاكرة، حيث جاء النبأ من القاهرة، رحيل د. محمد طاهر أيلا، رئيس الوزراء الأسبق وأحد أبرز وجوه الإدارة والتنمية في البلاد.

غادر أيلا الحياة بهدوءٍ كما كان يمضي في قراراته الحاسمة، تاركا خلفه سيرةً طويلةً تشهد على جهوده بين الطموح والواقع، بين الحلم الذي أراده للسودان والظروف التي كثيرًا ما وقفت في وجهه.

ملامح من الموج والنخل

من سواحل البحر الأحمر جاء أيلا، حاملاً معه ملامح مدينته، وشموخ الجبال المطلة على المرافئ، وهدير الموج الذي لا يهدأ.

ولد في خمسينيات القرن الماضي، في أرضٍ قاحلةٍ إلا من عزيمةٍ لا تعرف الانكسار. درس في جامعة الخرطوم، ثم مضى إلى الخارج حيث نال تأهيلاً علمياً فتح له أبواب الخدمة العامة مبكرا. لكنه لم يكن مجرد إداري عابر، بل مشروع قيادي واثق في زمنٍ لم يكن يرحم الحالمين.

من بورتسودان إلى مدني.. التنمية عنوان

لمع اسم أيلا واليا على ولاية البحر الأحمر، حيث تحولت بورتسودان في عهده إلى مدينة سياحية عالمية، فكانت الولاية عبارة عن ورشة بناء لا تهدأ، مستشفيات، مدارس، طرق، مهرجانات ومشروعات تنموية، أطلقت عليه ألسنة الناس بسببها لقب "أمير الشرق" أسوة بعثمان دقنة البطل السوداني الخالد.

ثم انتقل واليا إلى ولاية الجزيرة، الولاية الزراعية التي حملت إليه تحديا آخر، كيف يُعيد للتراب هيبته، وللمزارع ابتسامته؟ وهناك في مدني السني حاضرة الولاية واصل ذات النهج الصارم، كثير الإنجاز، قليل الكلام، مُحب للانضباط والعمل المباشر حتى صار اسمه رمزا للإدارة الحازمة مهما اختلفت حوله التقييمات.

وفي فبراير 2019، صعد أيلا إلى رئاسة الوزراء في أصعب توقيت، وسط عواصف من الأزمات الإقتصادية والسياسية.

جلس على مقعد يعلم أنه يمتلئ بالأزمات إلا أن فترته لم تدم طويلا، لكنه حاول أن يُمسك بخيوط الدولة المتعبة.

صوت التنمية.. وملامحُ الحنين

كان أيلا يؤمن بالعمل أكثر من الخطب، وبالمستشفى وبالمدرسة وبالطريق المعبد أكثر من الوعود، وبأن الإدارة ليست شعارات بل حضور ميداني.

الذين عرفوه في بورتسودان ما زالوا يذكرون صباحاته الباكرة بين عمال النظافة، ومتابعته لمشروعات الميناء والمياه والكهرباء.

لم يكن سياسياً تقليدياً بقدر ما كان إداريا بنكهة خاصة، صلبة أحيانا إلى حد الجدل، لكنها تُنتج الأثر، تجربة يفتقدها السودان الساعي للتطور والنماء.

القاهرة.. محطة الوداع

في القاهرة، حيث كان يتلقى العلاج منذ أشهر، أسدل الستار اليوم على مسيرةٍ امتدت لأكثر من أربعة عقود في خدمة الدولة السودانية.

رحل الرجل الهادئ، وترك وراءه أسئلة كثيرة عن معنى القيادة في بلد تتقاذفه الأزمات.

من بورتسودان إلى ود مدني، ومجلس الوزراء، ظل أيلا حاضرا في الذاكرة العامة بوصفه وجها من وجوه الدولة السودانية في أزمنة صعبة.

برحيل محمد طاهر أيلا، يفقد السودان أحد رجالاته الذين جمعوا بين الفكر الإداري والصلابة السياسية، فهو لم يكن مجرد اسمٍ في دفاتر المناصب، بل فصل في حكاية السودان الحديث، بما فيها من طموحٍ وانكسار، بناء وجدال، وحنين لتنمية ما زالت تفتقد صوته.

لقد غاب أيلا، لكن صدى خطاه سيبقى يتردد بين الميناء والسهل، وبين قراراتٍ كان يؤمن أنها الطريق الوحيد للنهوض.

رحم الله أيلا الذي رحل اليوم، تاركا للسودانيين ذاكرة لا تمحى، وسؤالا عن من يخلف تجربته كإداري صلب يحمل مشعل الإعمار وسط ركام الحرب.