✍ د.طارق عشيري : همسة وطنية ؛ رحيل أيلا عملاق التنمية والعمران

في ذاكرة السودان المعاصر، يبرز اسم دكتورمحمد طاهر أيلا كأحد أبرز الوجوه التي ربطت بين الرؤية والعمل، وبين الطموح والإنجاز. لم يكن أيلا مجرد سياسي عابر في المشهد، بل كان مدرسة في الإدارة والتنمية، رسم طريقًا جديدًا للإصلاح والخدمة العامة في ولايات السودان التي قادها، خاصة ولاية البحر الأحمر، التي تحولت على يديه من ولاية مهمشة إلى نموذج وطني في العمران والتنمية المتوازنة.
منذ بداياته في بورتسودان، أدرك أيلا أن التنمية لا تتحقق بالخطابات، بل بالجهد الميداني والإدارة المنضبطة. فكان دائم النزول إلى الشارع، يتابع بنفسه المشروعات، ويستمع للمواطنين دون وسائط.
اعتمد على إدارة الموارد المحلية بكفاءة عالية، وابتكر أساليب تمويل ذاتية مكنت الولاية من تنفيذ مشاريع كبرى دون انتظار الدعم المركزي.
تحولت بورتسودان في عهد أيلا إلى مدينة متلألئة على البحر الأحمر، شهدت نهضة عمرانية وسياحية غير مسبوقة. شوارعها اتسعت، حدائقها نمت، وخدماتها الصحية والتعليمية تطورت بشكل واضح.
كانت المهرجانات السياحية والثقافية التي أطلقها، مثل مهرجان السياحة والتسوق، منصات لإبراز وجه السودان الجميل، وجسورًا للتواصل بين المركز والولايات، وبين السودان والعالم.
آمن أيلا أن التنمية ليست إسمنتًا وحديدًا فحسب، بل بناء للإنسان قبل البنيان. لذلك ركز على التعليم، والتدريب المهني، وتمكين الشباب والمرأة.
وشجع على ثقافة العمل والاعتماد على الذات، حتى أصبحت البحر الأحمر رمزًا للعزيمة والنهوض الذاتي.
حين تولى رئاسة الوزراء، حمل معه فكر الإدارة الحديثة ذاته، وإن كانت فترته قصيرة، إلا أن بصماته في الشفافية والانضباط المالي والإداري ظلت حاضرة في ذاكرة الدولة السودانية.
ترك إرثًا إداريًا جعل منه رمزًا للقيادة التنفيذية الرشيدة، وأثبت أن بالإرادة يمكن تحويل الإمكانيات المحدودة إلى إنجازات كبيرة.
يبقى محمد طاهر أيلا علامة مضيئة في مسيرة السودان التنموية، ورمزًا للقائد العملي الذي جمع بين الرؤية والإدارة.
وفي زمن تحتاج فيه البلاد إلى عقول تبني وسواعد تعمل، يظل أيلا مثالًا يُحتذى به في فن القيادة، والإخلاص للوطن، وحب العمل العام.
فهو بحق عملاق التنمية والعمران.
واليوم، والسودان ينهض من رماد الحرب ويبحث عن طريقه نحو البناء، فإن فكر أيلا التنموي يجب أن يُستلهم كنموذج للإعمار والإصلاح.
فالوطن في حاجة إلى رجال يؤمنون بالفعل لا بالقول، وبالإنجاز لا بالوعود، تمامًا كما فعل أيلا في ولاياته.
إن التجربة التي قادها تثبت أن السودان قادر على النهوض متى ما وجد القائد المخلص، والعقل المنظم، والإرادة الوطنية الصادقة.
ومن هذا الإيمان يمكن أن نبدأ مشروع إعمار السودان الكبير، مستلهمين من أيلا روح العمل، ومن الشعب السوداني قوة الصبر والعزيمة والإصرار على الحياة.
فلتكن تجربة أيلا رسالة لكل القادة:
أن بناء الأوطان لا يحتاج لمعجزة، بل لإرادة مؤمنة بأن السودان يستحق الأفضل دائمًا. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل