✍ جال مقوك نيال (صحفي من جنوب السودان) : لماذا علينا شكر الحكومة السودانية في ترحيل إخوتنا إلى بلادهم.!

قبل أن يلامس أطراف أصابعي بعضها وأرفع القلم لأكتب لما تعليت به أعلاءه، قد تعرضت لبعض الأساليب ممن علقوا في مقالتي السابقة تحت عنوان "جمهوريتي جنوب السودان والسودان دولتين مختلفتين"، المقالة التي شخصت فيها بوادر المشكلة والأزمة التي أدت إلى ترحيل إخوتنا إلى بلادهم من قبل الحكومة السودانية.
نعم الترحيل تم ومن يتوسطها هي الحكومة السودانية بنفسها، وأننا نعلم السبب الذي أدى إلى ذلك ولماذا ترحل الحكومة السودانية مواطني دولة جنوب السودان إلى بلدهم. ولكن رغم بأن البعض يعرف السبب لا زال ينكر ذلك ويندد حكومة بلاد قرر إنهاء الوجود الأجنبي في بلاده لسبب يعود إليها.
وإن هذا في محل الإحترام وتقدير، لانها دولة بسيادتها لا تحق لأي شخص إعتراضها أو إدانتها. فيما يخص إخوتنا الذين قطع بهم السبل في مدن السودان، إنه أمر وارد فى إندلاع أي حرب في أي دولة تخرج الناس وتترك هذه الدولة باحثين عن دولة أخر اكثر أمنا أو يعودون إلى حيث آتوا.
على عكس مواطنينا الأجلاء الذين إختاروا الوجود في دولة السودان بالرغم منما يحدث فيه من الحرب والإقتتال فيما بينهم، وجود المواطن السوداني الجنوبي في السودان في ظل الوضع الراهن، يعتبر خطاءا بحد ذاته. لان السؤال الذي سيطرح لشخص وإليك هو ماذا تفعل في دولة مواطنها هاجر منها بسبب الحرب؟ السؤال الذي يستطيع المرء الإجابة عليها.
نعم ليس الأسر كلها تستطيع على تكلفة الخروج من العاصمة الخرطوم إلى الحدود، ولكن كان هناك رحلات تطوعية يرحل العالقين هناك إلى جنوب السودان وقد إستقل معظم الأسر ذلك بما فيهم الأسر السودانية الذين لجاوا لجنوب السودان.
فالأمر فيه نوعية التجاهل وتصغير ما يدور في السودان، ما صعب الأمر على مواطنينا الأجلاء في السودان. فبعض منهم لا زال لهم حنية تجاه السودان، قد نسوا بأن السودان الحالي لم يكن نفس السودان الذي كان يسعنا جميعنا بمختلف مكوناتنا وتعددنا. السودان الحالي مختلف كل الإختلاف من السودان الذي كنا نسمي به أبنائنا، فقد أصبح دولة شقيقة وجارة واصبحنا لها دولة جارة أيضا. تجمعنا حسن الجار وعلاقات دبلوماسية وحدود يجب أن يحترمه الجميع ولا تنازل منه.
قرار الحكومة السودانية، جات بعد تورط بعض من السودانيين الجنوبيين في صفوف الجيش السوداني و مليشيا الدعم السريع وما تعلوا إليها من الجرائم التي أزعجت الإنسان السوداني في بلاده، نسى إخوتنا بأن ما يحدث في السودان شأن داخلي لا يحق لهم التدخل فيه والإنخراض في أي طرف من أطراف النزاع.
قيل بأن "البصل السئ يسوا بعض البصل الباقي في الجوال"، هذا ما حدث فافراد الذين شاركوا مع مليشيا الدعم السريع ومع الجيش السوداني هم من مسخوا لجنوبيين الإستقرار في السودان ما جعل السواد الأعظم من الشعب السوداني يتخذ ما إتخذته من ما تعلت إليها الأحداث وقتها في كنابي وبعض المدن.
هذا ليس مبررا ولكن هذا متوقع من شعب يئس من تصرفات الأفراد ضدهم وضد دولتهم، لذلك عند حدوث مثل الأحداث المؤسفة الشيء الأول التي وجب النظر إليها هي إجاد طريقة ترحل بها مواطنينا الذين قطع بهم السبل في السودان والعودة بهم إلى أرض الوطن بأي طريقة ممكنة.
ولكن للاسف لم نرى ذلك ولم تهتم حكومة جوبا بهم، الحكومة التي تمثلهم إقليميا و دوليا ومعتبر شرعا حكومتهم الرسمية، فشلت في إداءها لهذه المهمة الوطنية التي تسجل وقتها من إنجازاتها الوطنيه تجاه مواطنه.
صمتت حكومة جوبا وسط معاناة شعبنا في السودان ووسط تدخل مواطنها في قضية سودانية لا تمد بهم بشيء ولا ناقة لهم فيها، الصمت التي أغضبت الشارع السياسي السوداني في مدن السودان.
ولكن بالرغم ذلك لم تكتفي الحكومة السودانية بذلك فحسب، بل حشدت وجمعت ما لديها من النقود والعقود لعرباتهم لترحيل مواطني دولة جنوب السودان لدولتهم. الخطوة التي وجب علينا إشادتها بدل إساءتها، ما تقدمت بها الحكومة السودانية خطوة جيدة، وقد تكون نفس الخطوة التي تمنيناه من حكومتنا أن تفعلها ولكن للأسف لم تفكر بها أبدأ رغم من كثرة النداءات لذلك.
ترحيل مواطنينا من السودان إلى بلدهم، يعيد خطوة مهما جدا للاسر الذين قطع بهم السبل هناك في السودان، ويعيد خطوة مهمة نحوه العودة الطوعية لهم إلى بلدهم.
فالجنوب السودان بات الأن دولة مستقلة تماما من السودان، لها سيادتها وحكوماتها. كذلك السودان، لذلك لحكومة السودان الحق في أن ينفذ أي قرار تصب في مصلحتها وفي مصلحة شعبها واذا كان بترحيل الجنوبيين إلى دولتهم فأهلا به.
يجب علينا شكرهم لذلك وإشادة هذه الخطوة، لان نادر جدا لدولة حدث فيها الحرب أن ترحل مواطنيين دولة معينة إلى دولتهم، هذه خطوة نادرة جدا و إذا دل على شيء يدل على أن الحكومة السودانية لا زال تحترم المواطن السوداني الجنوبي وتحترم العلاقة بينها مع حكومة جوبا ولا تزال تقييم العلاقة التاريخية التي زلت تمسكنا طيلة هذه الوقت.
لذلك علينا أن لا ننحرف من المعيار ونأخذ الأشياء بطريقة عدائية غير محمدة ولا تصب لمصلحة أي شخص، ما يجب علينا فعلها هي إشادة الحكومة السودانية بمواصلة مبادرتها وبإجلاء هولاء مع أسرهم إلى بلدهم، فهذا ينقذهم من أي نوع من الإستهدافات قد تحدث لهم هناك. لا نريد لمثل أحداث كنابي وما ألت إليها من بعده أن يتكرر مجددا.
وإلا الشكر والتقدير للحكومة السودانية لمراعة إخوتنا العزيزين والعودة بهم إلى أرض وطنهم، سنتذكر ذلك وسنرد هذا الجميل طالما حيينا بإذن الله.
دامت الجمهوريتين مستقلتين ومعززين في أرضهما، فلتدوم المحبة ولتسود الأمن والسلام في ربوع السودان عامه بشقيه الإثنين الشمالي والجنوبي.