✍ أحلام محمد الفكي : أكتوبر شَهْرُ الأَلْوَانِ القَلِقة ؛ وعودٌ مُعلَّقةٌ بينَ نَصْرٍ وغُموض

يا شهرَ أكتوبر، يا أيقونةَ العامِ التي ترتدي ثوبًا من ألوانٍ مُتضاربة، وشِعارًا من أملٍ وخَطر! أنتَ لستَ مجردَ شهرٍ يمرُّ في تقويمِ الأيام، بل أنتَ نقطةُ تحوُّلٍ تَختزنُ في طيَّاتِها حكاياتٍ لم تُكتَبْ بعد، ووعودًا تنتظرُ أنْ تَنبُتَ من رَحِمِ المُستحيل.
يُسمُّونك "الورديَّ" تفاؤلًا بنهايةِ الآلام، ويُلقِّبونك "الأخضرَ" رَجاءً في خصوبةِ الأرضِ والجُذور، ويُجلِّلونكَ بـ "شهرِ الانتصارات" تذكيرًا بأمجادٍ لم تندثر. لكنَّ السؤالَ الذي يَخترقُ الوجدانَ كالسهمِ الآن: باسْمِكَ الأخضرِ
يا أكتوبر هل ستُغنِّي الأرضُ من جديد، وهل ستشتعلُ الحقولُ قَمْحًا ووَعْدًا وتَمنِّيًا ؟
غزة... العودةُ من تحتِ الرَّماد
في صميمِكَ، يا أكتوبر، تكمنُ العودةُ المُنتظرةُ لأهلِ غزة. عادوا إليكَ، لا لِديارٍ قائمةٍ بل لأطلالٍ تُحاكي دمارًا، عادوا وهم يَحملونَ في عيونِهم فرحةَ توقيعِ السلام، رغمَ أنَّ ديارَهم مُحطَّمةٌ بالكامل. أيُّ قوةٍ هذه التي تدفعُهم للبدءِ من الصفر؟
أيُّ إيمانٍ كامنٍ يجعلُ الرمادَ بِدايةً، لا نِهاية؟
إنَّها صَرخةُ الحياةِ التي تَرفُضُ الانكسار، إنَّها البصمةُ الأزليةُ للإنسانِ الذي يُحيلُ الخرابَ إلى مشروعِ بِناءٍ جديد. سلامٌ على قلوبٍ تَبتسمُ فوقَ الأنقاض!
السودان... همسُ القِمَمِ ووَجَعُ الوَطَن
لكنَّ جُزءًا آخرَ منكَ، يا أكتوبر، يَكتنِفُهُ الغموضُ والوَجَل. على أرضِ السودانِ الجريح، تُطرحُ الآن للمرةِ الثانيةِ القمةُ الرباعيةُ لحلِّ مشكلتِه العالقة، تلكَ الرباعيةُ التي رُفضَتْ سابقًا، وتعودُ هذه المرةَ بعباراتٍ أشدَّ قسوةً ووضوحًا.
الهمسُ والتصريحاتُ تَقولُ: إنها ستَفرِضُ نفسَها لحلِّ مشكلةِ السودان... سواءٌ أرادَ الشعبُ أم لم يُرِدْ!
هنا يَتوقَّفُ نَبْضُ القَلَمِ عندَ الكلماتِ العاريةِ من لُبْسِ الدبلوماسية. إنها تُشيرُ إلى أنَّ أمرًا يُدبَّرُ في الخفاءِ لِفَرضِ واقِعٍ جديد، لا يَملكُ الشَّعبُ فيهِ سِوى أنْ يَرفعَ أكُفَّ الضَّراعةِ للهِ أنْ يكونَ لِخيرِ البِلادِ والعباد.
ومعَ ذلك، تَعلو أصواتُ التوجُّسِ من القادمِ، أصواتٌ وطنيةٌ تَصرخُ في وجهِ الريحِ قائلةً: "لنْ نَقبَلَ بِتسويةِ الرباعيةِ ولو اشتعلتِ النيرانُ في رِمالِ السودانِ وأشجارِه!"
إنَّ هذا التضارُبَ يُبقِي القادِمَ في رَحْمِ الغَيْبِ، ويَدعونا أنْ نتمسَّكَ بالأملِ في سلامٍ...قادم بعزة الانفس
الجميعِ قد كره القتالَ..لمشقته وكثرة مخاطره ومخاوفه ولكن فى حقيقته -
لابد من تذكر قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
قد يَرى البعضُ في أيِّ تسويةٍ تُفرَضُ أنها ليستْ سوى قراراتٍ استعماريةٍ مُغلَّفةٍ، وأنَّ لها ما بعدَها من الشَّرِّ الكامِنِ في طيَّاتِ المُستقبل. فهل سيُشرِقُ أكتوبرُ بسلامٍ أم بِشرْطِ مُذِلٍّ؟
أكتوبر... رهانُ البَصْمَة
أنتَ شهرُ الاختبارِ يا أكتوبر. اختبارُ الإرادةِ في غزةَ، واختبارُ السيادةِ في السودان. فلتَكُنْ بصمتُكَ هذا العامَ بصمةَ العودةِ الكريمةِ وبصمةَ الحُلولِ الوطنيةِ الأصيلة، لا بصمةَ التَّسوياتِ المَحمولةِ على أَكُفِّ القَرَارِ الأجنبيِّ.
إنَّ التاريخَ لا يَرحَمُ مَنْ يَبيعُ الرَّمادَ بِسِعرِ القَمْح. فَلْيَكُنْ أكتوبرُنا الأخضرُ حقًّا، لا وَهمًا، قمحًا نأكُلُ منهُ بِعِزَّةٍ ووَعدًا نُشرِقُ بهِ على حُرِّيَّةٍ